تنمية الأطراف.. ضرورة وطنية قصوى

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

كتبتُ -وكتبَ غيري- أكثر من مرَّة عن المحافظات الحدودية، وضرورة تنميتها، بل وإعطائها الأولوية في هذه المرحلة؛ لأنها محافظات حساسة جغرافيا؛ فهي تقع بين فكي كماشة، جهة تحاول إغراءها بالمال والجاه، وجرها إلى دائرة نفوذها، وزرع ما يمكنها زراعته من إغواء، وجهة تراهن على "وطنيتها"، وصمودها في وجه المغريات، وهي بطيئة الحركة لدرجة تصيب المواطن هناك بالملل، وتطرح علامات استفهام كثيرة.

الحقيقة التي لا مفرَّ منها هي أنَّ كثيرا من سكان المحافظات الحدودية، وتحديدا محافظتيْ مسندم والبريمي، رأوا في البطء الحكومي للتنمية في مناطقهم حُجة للهجرة إلى الخارج، والاستقرار في دول الجوار؛ لأنهم سَئِموا تلك الوعود التي طالت، ولم ترَ النور، وغياب إستراتيجية التنمية الاقتصادية لمحافظاتهم، وعدم وجود مشاريع جاذبة حقيقية، واستثمارات واعدة هناك، فآثر كثيرون نتيجة لذلك البحث عن لقمة العيش بعيدا عن الوطن الأم، وهذا ما يشكّل خطرا محدقا بالأمن القومي العماني على المدى الطويل.

الوصول إلى مسندم برًّا يُعرِّضك للكثير من المعاناة؛ فالحدود العُمانية الإماراتية المتداخلة، والنقاط الحدودية المنتشرة، تجعل من الرحلة إلى هناك ليست سَلِسَة كما يتمنى المرء، كما أنَّ الجهود التنموية الحكومية في المحافظة تحتاج الكثير من التسريع والاهتمام، وضرورة استغلال الموقع الإستراتيجي بأقصى طاقاته، والاستثمار في السياحة بأنواعها المختلفة؛ مما يجعل من المحافظة هدفا حيويا؛ فهي تمتلك من الطاقات السياحية ما يمكنّها من لعب دور مهم في الاقتصاد العماني، صحيح أن هناك مشاريع على الورق أو طور الإنشاء، إلا أن الأمر يحتاج إلى اهتمام أكبر؛ لأنَّ الوضع -وبكل وضوح- لا يُطمِئن؛ فالهجرة إلى الخارج تزداد، وعيون الآخرين لا تزال مفتوحة ومترصدة بكل المغريات المالية والثقافية لتغيُّر ديموغرافي مُحتمل خلال سنوات إذا لم تتبنَ الحكومة مشروعا تنمويا واضحا في الجزيرة العائمة على بحر من الثروات الطبيعية السياحية خاصة.

من جانب آخر، وللوصول لمُحافظة البريمي، لا بد من المرور بنقطة حدودية عُمانية!! وهو أمرٌ غريبٌ بعد كل هذه السنوات من الاستقرار السياسي للدولة؛ فهل يعقل أن يكون الدخول إلى ولاية البريمي -وهي جزء من الوطن- بجواز سفر؟!! كما أنَّ الوضع هُناك بات غير مُريح؛ فالمعاناة التي يعاني معها المواطنون على منافذ الحدود بين السلطنة ودولة الإمارات أصبحت عبئا على كاهل المواطن العُماني؛ مما دفع كثيرًا من سكان الولاية ممن يدرس أبناؤهم في مدارس خاصة في مدينة العين، إلى إخراج أبنائهم من تلك المدارس، وإلحاقهم بمدارس حكومية عمانية، لعدم وجود مدارس خاصة ذات مستويات عالية في ولاية البريمي؛ مما أظهر أزمة استيعاب في المدارس الرسمية في المحافظة؛ لأنها لم تَكُن مستعدة لتلك الحالات الطارئة، وهذا غيض من فيض من مشاكل المواطنين هناك؛ حيث تبدو حالة ركود تجاري واقتصادي استثنائية في المحافظة بشكل عام، وهذا ما يحمِّل الحكومة مواجهة تبعات ما نتج عنه بطء تحركها في التصدي لقضايا كان بالإمكان وضع حلول لها منذ زمن بعيد؛ حيث إنَّه من المفترض أن تفعّل الحكومة إستراتيجية التنمية منذ عقود، حتى لا تجد نفسها في هذا المأزق "الوجودي" لو كانت هناك خطة طويلة المدى واضحة المعالم للتنمية الاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية في تلك المحافظات الحسّاسة، والتي لا يزال أبناؤها صامدين في وجه المغريات والتغيرات التي تهب عليهم من الخارج.

مرة بعد مرة بعد مرة.. انتبهوا لتنمية الأطراف، وسارعوا لوضع إستراتيجية وطنية شاملة وسريعة للمحافظات الحدودية، واستمعوا لشكاوى وتحذيرات ونداءات المواطنين في تلك البقع الطاهرة من هذا الوطن العزيز، قبل فوات الأوان.