فن إدارة الخلافات

 

 

فاطمة الحارثي

 

"المعرفة العلمية هي قوة تمكننا من فعل الخير أو الشر، ولكنها لا تحمل تعليمات عن كيفية استخدامها"، ريتشارد فاينمان.

 

لا تختلف أهمية إدارة الخلافات عن إدارة الأزمات أو المشكلات التي في الغالب تحدث بسبب اختلاف الأنفس ولغة الاتصال وكيمياء العواطف، أي الاختلاف هو ما يُولد الخلاف.  

كل بيئة تواجه حالات صراع سواء الأسرة أو العمل أو المجتمعات، وحل هذه الصراعات أو لنقل الاختلاف مهارة وحكمة، وهي ليست عملية بتصرف معروف أو ثابت، بل كل اختلاف يُولد خلاف، أسلوب وطريقة مختلفة لتبيّن الأمر وكشف الوقائع وحلها، في الغالب الحلول تكون بسيطة بيد أن العواطف البشرية تلعب دورا جوهريا في بعض الأحيان في تعقيد الحلول.

عند تحديد أثر العوامل المؤثرة المختلفة السلبية والإيجابية، نحصل على تصور مختلف، وقد يُشكل الأمر حلولا متعددة، بيد أن تسليط الضوء على النواحي الإيجابية يجنبنا تأزم وارتفاع حدة الخلاف لأن أهداف وقيم واحتياجات الجماعات والأفراد لا تتوافق دائما.  يكمن فكر ضرب النار بالنار لدى البعض عامل وسلوك مفتعل لتغيير الأوضاع، والتغيير في وجهة نظرهم بتأجيج الصراع والأزمات أمر مساعد يعطي درسا وقيمة لحالة ما، بعد تفعيل وتصعيد خبرة أسوأ منها، وهؤلاء من خلقوا الحروب بأنواعها الحربية والباردة.

في الأسرة، يعمل الاختلاف على التنافس الأسري بين الأفراد قد ينتهي إلى ترابط يتمركز حول فرد أو مجموعة أو تفكك يمتد إلى أجيال لأسباب في حقيقتها ليست جوهرية مثل بيئة التميز بسبب قبول اختلاف أحد أفراد الأسرة ورفض الآخر أي التفرقة والمحاباة – مديح ابن دون الآخر، أسلوب المقارنة، أسلوب التفضيل، أسلوب القسوة... سلسلة لا تنتهي من أفعال تبدو بسيطة لكنها وقود الصراعات والأزمات الأسرية.

في العمل، يساعد الاختلاف على تحقيق الكثير من الإبداع والتفوق المؤسسي وامتيازات مهنية، مثل تحسين صنع القرار وزيادة القدرة على مواكبة المتغيرات الاستثمارية والتجارية والابتكار، شريطة أن يُحسن ويُتقن المسؤول اختيار الاستراتيجية المناسبة لإدارة الصراع، والبُعد عن استنساخ حالات سابقة لها ظروفها وأبعادها.  غالباً بإمكان المسؤول في بيئة العمل التعامل مع الصراعات بطريقة إيجابية من خلال تحديد ووضوح المهام والاختصاصات بين الموظفين، والتنسيق فيما بينهم مع شرح واف لأهمية كل دور وتأثيره على تناغم وتكامل نتائج أداء الفريق. 

وإن نظرنا إلى المواهب والكفاءات نجد أن التنظيم فيما بينهم دون إبداء الأسباب (بيان قيمة الدور وأهميته) يُعطي للموظف مجال وخيال الاحتمالات مما يُشعر الموظف بعدم الاستقرار النفسي (أزمة الثقة والتفضيل، القيل والقال، الفتن) وهذا يقود إلى التأثير السلبي وتفاقم الخلافات في المؤسسة. فالبشر ليسوا نعاجاً تُقاد بل عقول تفكر وتتدبر وتشعر. وبرهن العلم الحديث أن الاختلاف بين كوادر أية مؤسسة يفك رهان وقيود نموها وازدهارها مما يعطي أهمية لاستراتيجية الإدارة الذكية والإدارة المرنة وتفوقها على الإدارة التقليدية والنظامية. وبيئة العمل المبنية بأساليب علمية تقلل من الاحتدام وتضع حدته جانبًا في التعاملات المهنية مما يُمكن الجانب الإيجابي من الهيمنة على مجريات الأحداث.

لصراع المجتمعات تاريخ تراكم في طياته فكر، يُقاوم فيه مجموعة من الناس مجموعة أخرى قد تتشابه هذه المجموعات في الأصل والمكان والزمن وقد تختلف، فنجد مثالا على ذلك صراع الأجيال وصراع العادات والثقافات. في واقع المنطق ليس ثمة جيل أفضل من جيل ولا ثقافة أفضل من أخرى لأن كلُ منها ناسب فترة ما وارتكز الذي بعده عليها ليشكل وجوده، أي تفوق جيل أو ثقافة ما لم يكن ليتحقق إلا بمكتسبات الذي قبله. مما يُبرهن أن أساس الصراع ليس ذا حاجة واقعية لضمان بقاء الإنسان بقدر ما هو مضيعة للجهد والاستقرار والسلام.

 

رسالة

كينونة الإنسان تبقى مرتبطة بفطرة ونفس تهيمن على واقع حياته، فإن لم يحكُمها حكمت هي، وعاثت في حياته كما تشاء. كما وأن أبعاد ومفهوم الصراع مرتبط بمراحل تطور الناس بغض النظر عن الأعمار والشهادات الأكاديمية، لأن تقييم الأوضاع أمر سهل، لكن قيادتها بما يتناسب مع الصالح العام أمر آخر لا يحتاج فقط إلى استراتيجيات متقنة بل إلى بُعد مُدرك لما بعد الأزمة حتى يبقى الاختلاف متقدا إيجابياً والخلاف تحت السيطرة المناسبة.

"السلام لا يعني غياب الصراعات، فالاختلاف سيستمر دائما، السلام يعني أن نحل الخلافات بوسائل سلمية، عن طريق الحوار، التعليم، المعرفة والطرق الإنسانية." دلاي لاما- بتصرف.