"الرؤية" وتعزيز الحوار المجتمعي

مدرين المكتومية

منذ أن أطلقت جريدة الرؤية نهج "إعلام المبادرات" والقائمون على هذا النهج يضعون نصب أعينهم واحدة من أهم القضايا الحيوية في مجتمعنا، ألا وهي قضية تعزيز الحوار المجتمعي، ليس عبر النقاش الحي فقط، ولكن أيضًا من خلال التفاعل المجتمعي مع مختلف الجوانب التي تدفع بعملية التنمية إلى الأمام.

فمبادرات جريدة الرؤية لتعزيز الحوار المجتمعي، تتضمن ما تفردت به قبل سنوات، عندما أطلقت سلسلة ندوات الرؤية الأسبوعية، وأيضًا سلسلة حوارات "شاهد على النهضة" والتي تم توثيقها جميعاً في مؤلفات ثمينة يستفيد منها اليوم الباحثون والأكاديميون في مجال الإعلام، ويمكن الحصول عليها من خلال المؤسسة. لكن هناك جانب آخر أعتقد أنه يحدث تأثيرا مجتمعيا أكبر وأعمق، وهو عقد المؤتمرات الكبرى والمنتديات وكذلك منح الجوائز المرموقة، فهذه أدوات تُفعِّلها جريدة الرؤية عبر "إعلام المبادرات" لإحداث التطور في المجتمع، فمن جائزة الرؤية الاقتصادية وجائزة الرؤية لمبادرات الشباب، وجائزة عُمان للسياحة، والعديد من المؤتمرات والمنتديات، يتجلى الدور الحقيقي للإعلام الفاعل في محيطه المجتمعي، والمؤثر في تعميق الوعي بمختلف القضايا عبر طرح الحلول والتحديات، ولقد كان آخر هذه الفعاليات "ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية"، والذي شهد مشاركات واسعة من داخل السلطنة وخارجها، وخاصة من الأشقاء الخليجيين، والذين أسهموا بالرؤى والأفكار البناءة في وضع تصورات طموحة للنهوض بقطاع المسؤولية الاجتماعية.

ولا شك أنَّ دراسة الظواهر الاجتماعية في مثل هذه المؤتمرات والملتقيات تحمل قدرا كبيرا من الأهمية، إذ إن الموضوعات المطروحة للنقاش تأخذ في عين الاعتبار ما يشهده العالم من حولنا من تطورات غير مسبوقة، فالثورة المعرفية والطفرة المعلوماتية والرقمية إلى جانب الثورة الصناعية الرابعة، كلها عوامل تساعد على التفكير بطرق غير تقليدية، ليس فقط فيما يتعلق بجوانب الإنتاج، لكن أيضا بقضايا التنمية الحقيقية.

وعندما عقدنا ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية قبل أيام، هدفنا بشكل واضح إلى إحداث تطور مفاهيمي في موضوع "المسؤولية الاجتماعية"، وأن ينتقل المفهوم من خندق الأعمال الخيرية والتطوعية، إلى مسارات أكثر تنظيمية، فخرج الملتقى بتوصية بالغة الأهمية، تتمثل في الدعوة لإنشاء جهة مركزية تتولى تنظيم وإدارة مشاريع المسؤولية الاجتماعية، وكذلك إلزام الشركات ذات الأرباح الكبرى بتخصيص نسبة ثابتة لمشاريع وبرامج المسؤولية الاجتماعية، إلى جانب العديد من التوصيات الطموحة التي لا يتسع المجال لذكرها. ومن هنا فإنَّ الحوار المجتمعي بين مختلف مكونات المجتمع أمر بالغ الأهمية، ولا شك أن مشاركة الإعلام المسؤول ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص وممثلي الحكومة والقطاع الأهلي، ستساعد في تطوير هذا الحوار المجتمعي، بما يمهد الطريق إلى توافقات مثلى تعمل على معالجة مختلف القضايا المجتمعية.

إننا مقبلون على مرحلة شديدة الأهمية، يمكن أن نسميها مرحلة بين مرحلتين، فنحن قد أنجزنا ولله الحمد الكثير من مشروعات التنمية، وخاصة تنمية الإنسان العماني، الذي كان ولا يزال وسيظل هدف هذه التنمية وغايتها، فنحن أوشكنا على إنهاء رؤية "عمان 2020" ولا يفصلنا سوى شهور عن بدء تنفيذ "رؤية عمان 2040"، تلك الرؤية الشاملة التي ستحقق نقلات نوعية في الكثير من القطاعات، اقتصاديا واجتماعيا ومعرفيا. كما إن هذه المرحلة الزمنية الفارقة من مسيرة التنمية في بلادنا، تتوازى مع قرب الاحتفال بالعيد الوطني التاسع والأربعين المجيد، لنبدأ بعدها في الاستعداد للاحتفال باليوبيل الذهبي للسلطنة، مع بدء العد التنازلي لمرور 50 عامًا على عمر النهضة المبارك، أدعو الله أن يُطيل في عمر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- مؤسس نهضتنا الحديثة وقائدها وملهمها أيضًا.

إنني أشد على يد كل مُواطن في بلادي أن يُشارك بفعالية في الحوار المجتمعي الهادف والمثمر، فمشاركة الخبراء والمتخصصين في المؤتمرات والمنتديات والمتلقيات من شأنها أن يدعم التوصل إلى حلول عملية وناجعة لمختلف التحديات التي تواجهنا، كي تتواصل مسيرة البناء والتحديث، ويتحقق المزيد من الرخاء والاستقرار، وتتقدم معدلات التنمية، وتحقيق استدامتها، فكل مواطن على هذه الأرض الطيبة يستحق الأفضل دائمًا.