كيف نكون عربا ومعاصرين؟

فوزي عمار

تقدُّم المجتمعات والدول بالشكل الذي نراه اليوم، هو نتاجُ عاملين مهمين؛ هما: دخول عصر الصناعة الذي نقل المجتمعات من البدائية إلى الحداثة، من عصر الإقطاع حيث الزراعة، إلى عصر الصناعة وحياة المدينة.. (لقد فصل القرآن الكريم بشكل دقيق بين القرية والمدينة من حيث التنوع والتقدم).

والعامل الثاني: الفصل بين الدين (الإقطاعي الكنسي) والدولة (المؤسسات)، والقطع مع الماضي الذي أعطي سلطة مطلقة للعلم التجريبي الذي أنتج العجلة والبخار والبارود والسفينة، ثم الطائرة ليعبر المحيط.. بل ويقتل سكان القارات الجديدة وينهب ثرواتها ويعود بها لأوروبا، وينشر لغته الإنجليزية والاسبانية والفرنسية في تلك القارات وفي أرجاء العالم.

من ميزات عصر النهضة نهاية عصر الإقطاع وانتشار مناخ الحرية؛ وفي نتاج مناخ الحرية يتقدَّم الفلاسفة والمثقفون مثل جان جاك روسو والنحاتون والرسامون مثل دافيتتشي ولوحته المونوليزا لتشكيل حضارة كاملة بما فيها الفن والثقافة والرياضة وجودة الحياة، ما زلت مستمرة حتي اليوم.. وبسبب مناخ حرية تحرك العقل لينتج ثورته. فالكهرباء ثورة علمية.. والطباعة وعلوم الفضاء التي مكنت الإنسان من أن يذهب للقمر ويرجع سالما، دليل منهج علمي صارم وناجح أثمر التقدم الذي تحياه الدول والمجتمعات الغربية اليوم.

وتظلُّ المنطقة من أفغانستان إلى موريتانيا بدون نموذج جديد قابل للتطبيق؛ فالدين الإسلامي هو منهج حياة لا ينفع معه الفصل بين الدين والدولة، ولا يمكن نقل النموذج الغربي دون الاصطدام بالدين الإسلامي، خاصة الخطاب الديني الذي هو اجتهاد البعض لفهم النص وليس الدين.

 فهنالك فارق كبير لا يُدركه كثيرون بين الدين (باعتباره تنزيلا وآيات محكمات)، وبين الخطاب الديني الذي هو فهم الناس للنص.. الخطاب الذي أقفل باب الاجتهاد منذ الخلاف بين ابن رشد صاحب نظرية العقل، والغزالي صاحب نظرية النقل، وانتصار الثاني على الأول.

فأصبح استعمال صنبور المياه (الحنفية) في الوضوء يحتاج لعقدين من الزمن حتي يفتي المفتي بجوازه. وما زالت القصة تتكرَّر إلى يومنا هذا بأشكال أخرى.

ففي الوقت الذي ينتج فيه الغرب الأمصال واللقاحات والروبوتات والجيل الخامس من الاتصالات، ما زلنا نسأل كل عام.. هل نصُوم وفق الرؤية أم وفق الحساب الفلكي؟ هل نخرج زكاة الفطر نقدا أم تمرا وشعيرا؟ هل الحجاب فرض أم عادة؟

وفي دائرة مفرغة من الجدل الفارغ من محتوى؛ فكلها أسئلة تعكس حالة الجمود الذي وصل إليه العقل العربي والإسلامي في ظل عالم يتطور ويتجدد كل صباح.

العامل الآخر المهم، وعلى الصعيد الاقتصادي، لم تدخل المنطقة التدرج الطبيعي في سلم الحداثة، فلم تدخل عصر الصناعة والتقدم التقني وتوطين المعرفة، بل ما زاد الطين بلة اكتشاف النفط في أرض العرب، والذي نتج عنه نمو اقتصادي وليس تنمية.. فالتنمية لها علاقة بالبشر.

كما أنَّ كثيرين يرون أنه لا مجال للنهوض إلا من خلال نهوض الأمة وليس الدولة القُطرِية؛ فماليزيا وتركيا أمة مثلا.

وبدون أساس نظري ومشروع ثقافي أصيل، أصبح شبابنا يتخبَّط بين النكوص للماضي والحياة في عام القرن الواحد والعشرين، بديكور القرن الرابع الهجري.. يبكي على الأطلال.. أو بين الانبطاح لقشور مدنية وحضارية لم يُسهم في إنتاجها فهو أشبه بالمثل (طبال محادي قافلة).

ويبقى السؤال الفلسفي الذي لا توجد له إجابة اليوم؛ وهو: كيف نكون عربا ومسلمين ومعاصرين؟

سؤال تصدَّى له كثيرٌ من المفكرين العرب حديثا منذ محمد عبده ومالك ابن نبي، وكان آخرهم المفكر الليبي الصادق النيهوم.. نسف الجميع الخطاب الديني القديم، وتفننوا في انتقاده ولم يطرحوا بديلا؛ ليبقي السؤال قائما.. سؤال النهضة دون إجابة إلى حين.