صفر إرهاب.. تنمية شاملة

مدرين المكتومية

عندما أستيقظ كلَّ صباح استنشق عطر عُمان الذي يعمُّ أرجاء سلطنتنا الحبيبة، عطر ليس كأي عطر، إنه عطر الوطن الذي ينعم بالاستقرار والرخاء، ويحظى بأعلى درجات الأمن والأمان، بفضل يقظة رجاله الأشداء في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة، ووعي المواطنين بأهمية الحفاظ على مكتسبات النهضة المباركة.

أفخر بوطني عُمان في كل بقاع العالم، متى حللت في أي بلد أشعر بالزهو لأنني عمانية، ووطني ينعم بتنمية شاملة وصفر إرهاب، وهي معادلة صعبة التحقق في العديد من بلدان العالم، لكنها تحققت في عمان تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يقود البلاد بحكمة واقتدار ورؤى ثاقبة ترتكز على الثوابت العمانية والقيم الأصيلة المتجذرة في مجتمعنا.

وفي الوقت الذي يضرب فيه الإرهاب دول المنطقة والعالم من حولنا، منذ عقود، تبقى عمان -ولله الفضل-  في منأى عن أي عمليات إرهابية أو انتماء أي مواطن عماني لتنظيم إرهابي هنا أو هناك، وهذا كما ذكرت من قبل نابع من الوعي العماني بعدم الانجرار وراء الدعوات المشبوهة أيًّا كان مصدرها، ورفضنا كعمانيين لأي دعوات تخريب أو فتنة بين الشعوب؛ لذا استحقَّت عُماننا الغالية العديد من الألقاب نتيجة حياديتها ومواقفها المشرفة في الصراعات المختلفة، فهي درة الشرق في السلام، وسويسرا الخليج، ولؤلؤة التعايش، وغيرها الكثير من الألقاب والصفات التي أطلقها علينا الأصدقاء والأحباب في كل دول العالم، إيمانا منهم بالدور البناء والإيجابي لعمان في إرساء دعائم السلام والأمن والاستقرار، ليس على مستوى المنطقة وحسب، بل وعلى الصعيد العالمي بشكل عام.

وعندما نُبحر في أسباب وجذور التطرف والإرهاب، نجد أنَّ البذرة الأولى التي شكلت صورة الإرهاب القاتمة في الوقت الراهن، بدأت عندما أفرزت الحرب الأفغانية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي مما يُسمَّى بـ"الجهاد الإسلامي" والمجموعات الجهادية، التي استغلت عدم دراية الكثير من الشباب العربي والمسلم للقيم الدينية الحقيقية، وغياب الفهم الواعي والموضوعي والصحيح للعديد من المصطلحات والمفاهيم في الشريعة الإسلامية الغراء، فتعرض هؤلاء الشباب إلى عمليات غسل دماغ ممنهجة، دفعتهم إلى اليأس والإحباط، ورفض الكثير من مقومات الحياة، فلجأوا إلى ميادين التقتيل وسموها "الجهاد" وانتهكوا الحرمات وقالوا إنها "ضرورات تبيح المحظورات"، سفكوا الدماء وزعموا أن ذلك "بأمر من الله"، وهدموا الدول ودمروا الشعوب بحجة أن ذلك "تطبيق شرع الله".. لكن هيهات هيهات!

وفي المقابل، نحن في عمان علَّمنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله وأمد في عمره- بأن نحذر من هذه التوجهات المشبوهة والخطيرة، عندما قال: "إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقي فيها بذور الفرقة والشقاق".

لذلك؛ يتحلى العمانيون بالاعتدال والوسطية والهدوء والسكينة النفسية، وهذا كله نابع من مشاعر الاطمئنان والأمان التي ينعم بها في وطنه؛ فهو ليس مُهددًا في حياته، ولا يتعرض لأية ضعوط تدفعه لليأس أو الإحباط؛ لذا علينا جميعا في مواقف الشدة أن نقف بجوار بعضنا البعض، وأن نؤازِر أنفسنا ونتضامن سويا، من أجل رفعة عمان وحماية أرضها.

والفكر المُعتدل الذي غرسه المقام السامي في نفوس شعبنا شيَّد سدا منيعا بينا وبين التطرف والعنف، فلا تجد عمانيا متشددا في رأيه، أو سلبيا في وجهة نظره، بل كلنا متآلفون محبون لبعضنا البعض، فجذور التسامح والتعايش فينا تمتد لآلاف السنين، وليست وليدة اللحظة، إنها الجين العماني المتسامح والراغب في التعايش بأمان مع الجميع.

علينا أن نُدرك أنَّ ثمن صناعة العنف والإرهاب يدفعه كل فرد، وتتأثر به عملية التنمية، ورزقه اليومي كذلك، مما يضعه بين خيار الانخراط في الإرهاب أو الدفاع عن أمن وطنه، وهي معادلة صعبة تعيشها الكثير من المجتمعات الآن، لكن هذا الخيار لا يخطر ببال الإرهابيين الذين يظنون أو يظهرون قناعة بأن "إرهابهم" يمكن أن يكون طريقا لفرض رأي أو فكر أو توجه، وهو بالتأكيد غير صحيح، بل على العكس؛ الإرهاب ينفِّر حتى من يُفكر في التعاطف مع الأفكار التي يدعي الإرهابيون الدفاع عنها، وللأسف ارتبط هذا الإرهاب مؤخرا بمدعيّ الإسلام، فغدت التفجيرات والقنابل مرتبطة في غالبية دول العالم بهم، وهذا ما جعل صورة الإسلام في العالم غير صحيحة للأسف، وظهرت مصطلحات مثل "الإسلاموفوبيا" أو "الخوف من كل ما هو مسلم"، وهذا بهتان عظيم، وافتراء شنيع على ديننا الحنيف الوسطي.

وتَفَاقم الإرهاب وأخذ صورا وأشكالا عديدة باسم الدين، فظهرت تنظيمات إرهابية تمارس أعمالا وحشية وتدعي زوروا أنها باسم الدين، والدين منها براء. ورغم أن الإرهاب لا علاج له سوى البتر، إلا أن هناك تجربة بدأت لعلاج أعراض الإرهاب، ومن أهم أعراض الإرهاب التطرف الفكري، وهي تجربة دشنتها الصين تتم عبر ضبط كل من تظهر لديهم ميول التطرف، ثم جمعهم في مركز للتأهيل النفسي، وتعليمهم الطرق المعتدلة في التفكير، وتدريبهم على مهارات يكسبون منها رزقهم ويخدمون مجتمعهم بدلا من تدميره.

لكنَّني أضع بين أيدي القراء والعالم، العلاج الناجع والدواء الشافي لظاهرة الإرهاب، وانفردت به عُماننا الحبيبة بقيادة جلالة السلطان المعظم، وهو ترياق التسامح والتعايش، وتحصين الوطن من الفتن عبر التنمية الشاملة والمستدامة، وصون حق المواطن وحقوقه وكرامته الإنسانية، وهذه هي مبادئ ديننا الحنيف التي يطبقها العمانيون.