أيها الناخب احتفظ بصوتك لنفسك .. وشكراً

 

حمد بن سالم العلوي

 

لقد تجاوزنا مرحلة التجربة في مجلس الشورى، هذا ما قاله الكاتب علي بن مسعود المعشني وهو كلام صحيح، وأنا أوافقه الرأي في ذلك، وها نحن مُقْدمين اليوم على خوض انتخابات الفترة التاسعة، فإن كنَّا لم نفهم ما نُريد من مُمارسة العمل الشُّوَرِي، فهذه مشكلة كبرى لا تتحمل الدولة مسؤوليتها، وإنما يجب اتهام المواطن بعدم الجدية في فهم أعمال المجلس، لذلك نجده يخلط بين مهام أعضاء المجلس، ومهام أعضاء الحكومة، أو عضو العلاقات العامة، وحتى أُبسِّط الأمر وأُقربه من فهم هذا البعض، فعليه أن ينظر إلى الدولة كجسد إنسان، فيكون عضو الحكومة بمثابة القلب النابض بالتنفيذ، ويكون عضو مجلس عُمان بمثابة العقل المُفكر لهذا الجسد، إذن؛ فإن عضو مجلس الشورى "وهو أحد مكونيِّ مجلس عُمان" أن يكون بمقاس مهام العقل للجسد، لذلك يجب على المواطن أن ينتخب العضو قياساً على هذا التعريف.

إذن؛ نحن نعذر المواطن من الانتخاب، إذا كان سينتخب عضواً سيسبب إعاقة أو مرضا عضالا للمجلس، فنقول له شكراً لك احتفظ بجهدك، واجلس في بيتك ودع الفرصة لغيرك، فإذا أنت ستنتخب بعصبتك لرفع اسم القبيلة، أو ستنتخب بعاطفتك لأنَّ فلاناً من الناس تعنَّى إلى بيتك، وخجلت أن ترد له طلباً، أو ستنتخب بغريزة حب الغَلَبة لمن صوته أعلى من صوت غيره أثناء المُجادلة، وإنه سيقمع الوزير الفلاني، وسيُقيل الوزير العلاَّني، أو إنه سينتخب ذلك العضو الذي يجيد التمثيل المسرحي، والذي سيدفع بمقاطع الفيديو إلى تويتر وفيسبوك قبل غيره من الناس، وسيصفق له الجمهور، أو لديه القدرة الانفعالية ليقود غزوة تشهيرية بالحكومة، أو ذلك الذي عنده قناعة راسخة، بأنَّ الحكومة خصم لدود له، فيجب عليه أن يَبضُّ عضدها، فنقول لك من غير أسف، اجلس في بيتك ولا تنتخب، لأنَّ صوتك لم نر فيه أمانة لخير عُمان وخير الوطن.

إنَّ عضو مجلس الشورى الذي تُريده عُمان، أن يكون شخصية وطنية متجردة من المناطقية، والجوانب القبلية أو الطائفية، وأن يمثل مجد ووقار عُمان، وأن يكون متمتعاً بمبادئ وقيم السَّبلة العُمانية، فيأخذ من سمت الملوك صفة الرزانة واللياقة، ويأخذ من قيم العلماء أدب الحوار، ويأخذ من القادة حكمة اتخاذ القرار، ويأخذ من الحكماء صفة الصبر والترفع عن الصغائر، وعدم الاستعجال، ويأخذ من العاقل فن الاعتذار، فإن وجدت من يحمل هذه الشِّيم والصفات، فهنا يكون صوتك أمانة، فلتمنحه له من أجل عُمان، وليس من أجل الأهواء والرغبات الشخصية.

لقد كان لنا في الدورات السابقة للمجلس من هو قدوة حسنة، فأولئك الأعضاء تمنينا عليهم الاستمرار في المجلس، لكن خشينا أن يُقال عُمان بها عقم فلا تلد غير من قد ولد، كما كان هناك أعضاء آخرون، تمنينا لو لم يعتِّبوا الأبواب الخارجية للمجلس، لأن هوايتهم كانت تقليد بعض مجالس العرب، التي اشتهرت بالصراخ والثرثرة، وحب الإثارة الشعبوية لا أكثر، ولم يعلموا أننا في عُمان لنا خصوصية تُقَلَّد ولا تُقلِّد في إدارة الأمور، وتلك الخصوصية تمثل شخصيتنا الحضارية، فكان يؤسفنا حقاً صبيانية البعض، ورمي التهم جزافاً بغير دليل، وهذا أسلوب يُشير إلى عدم النضج العاطفي والعقلي.

إنَّ هناك ظروفا يجب أن يُراعيها المجلس، كالظروف التي تمر بها المنطقة اليوم، وأن يعلموا أنَّ هناك جوارا غير طبيعي يُحيط بعُمان، ولبعضهم أهداف غير سليمة في هذا البلد، لا تخلو تلك الأهداف من الحسد والجور، فعلى العضو المُنتخب ألا يأتي مغمض العينين إلى المجلس، فلا يستغل أعضاء المجلس خاصية الشورى، فيثقلوا الوطء على المفاصل الحادة التي تعترض البلد، ثم يعلق البعض مشجب فشله على عدم تفاعل الحكومة مع المجلس، والحكومة تعرف أن هناك في المجلس من يسعى للشهرة الشخصية، فمنع حضور عضو من أعضاء الحكومة بناءً على طلب المجلس، قد يكون منعاً للحرج والفتنة بين الحكومة والشعب، ولكن متى ما تكونت قناعة بالدليل لدى المجلس، عليه أن يرفعها لصاحب الجلالة السلطان المعظم، وذلك قبل رفعها إلى الرأي العام، كما كان هذا يستهوي ذلك البعض، والكل يعرف حرص صاحب الجلالة السلطان قابوس المفدى - أعزه الله - على دعم المجلس والأخذ بمشورته، حتى أصبح مجلس عُمان مُفردة أساسية في المراسيم السلطانية.

وهذا دليل قاطع على ذلك الاحترام، الذي يجب أن يكون متبادلاً بين القيادة وجهاز التشريع للدولة، أما من يلجأ إلى إثارة الرأي العام، فلينتظر الجواب الذي يُريد منه .. وفق الله الجميع لاختيار أعضاءً بشراً وليسوا ملائكة للمجلس، ولكن مع حسن الاختيار للشخص المناسب، وهي ليست بمهمة صعبة، لأنَّ الجميع يفترض فيهم الحكمة والفطنة، بأن يعرفوا من هو المرشح الجيد لعُمان، وذلك اعتماداً على سيرته الذاتية الطويلة، وليست تلك الدعاية التي تسبق الانتخابات بأيام، أو حتى بأشهر قليلة، حفظ الله عُمان ورفع شأنها، وأعزَّ سلطانها وأيده بالنصر والحق، إنه نعم المولى ونعم النصير.