مدرين المكتومية
ترزح دول عدة في المنطقة العربية تحت وطأة الحروب والصراعات السياسية أو الطائفية، فضلا عن أزمات التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، إلى جانب أحداث متفرقة هنا وهناك تعج بها محطات التلفزيون والإذاعات، وقد نجم عن ذلك وفاة مئات الآلاف على مدار السنوات القليلة الماضية فضلاً عن انهيار البنية الأساسية وضياع هيبة الدول وسقوط أنظمة..
غير أنَّ الخسارة الأشد فداحة هي خسارة التنمية، فقد محت هذه الحروب والصراعات ما تحقق من تنمية على مدار عقود، وتسببت في أن تعيش مجتمعات في عصور ما قبل التاريخ، فليس غريباً أن نرى عائلة تستدفئ في شتاء زمهرير بألواح الخشب، أو أن تأكل ما تحصل عليه من خشاش الأرض، وعندما تنام فإنها تفترش العراء وتلتحف السماء!!
فاتورة التنمية في الكثير من الدول العربية باتت لا يتحملها نظام ولا جماعة تقاتل من أجل السلطة، ولذلك ليس أمامهم سوى اللجوء إلى السلام، وإنهاء الصراعات، فمصلحة المواطن العربي أياً كانت دولته هي الأهم، وتوفير لقمة العيش والشعور بالأمن والأمان يجب أن يحتل أولويات هذه الحكومات.
ووضع التنمية على أول سلم الأولويات، يساعد على تحسين معيشة الإنسان ومنحه الشعور بالطمأنينة، وكل ذلك سينعكس على كافة القطاعات، فالمستشفيات ستشهد تطورا في خدماتها الصحية، والمدارس ستقدم تعليمًا أفضل للأجيال الجديدة، ومؤسسات الدولة ستعمل بكفاءة أعلى، وينمو الاقتصاد وتتطور الدولة بشكل عام.
لكن المؤسف أنّ ما سبق لا يعدو كونه حلماً نأمل أن يتحقق؛ إذ إن الأموال التي من المفترض أن تذهب إلى التنمية، تتجه إلى تمويل صفقات التسليح المليارية، وشراء الذخائر لدك البيوت والمنشآت، ومحاربة عدو وهمي لا يتواجد سوى في رأس من يتخذ قرار الحرب.
الحروب لن تصنع تنمية وتقدما وتطورا، بل ستترك خلفها تشويها حقيقيا على الأصعدة كافة، تشويها في الأفكار وفي الحياة بأكملها، فأبناء الحروب الذين ولدوا تحت أسقف البيوت المهدمة، ولم يستمعوا سوى لأزيز الطائرات الحربية وأصوات القصف وفرقعات المتفجرات، لن يكونوا مواطنين أسوياء في بلدانهم، بل سيحتاجون لمراحل عدة من العلاج والتأهيل النفسي لمقاومة الشعور بعدم الأمان، وتعزيز الانتماء للوطن، ذلك الوطن الذي يرون أنه لم يقدم لم الخير، بل ربما أخذ منهم رب أسرتهم في قصف عشوائي، أو لأنه قابع في غيابات السجون لمجرد الاشتباه في أنه غير موالٍ لهذا النظام أو تلك الجماعة. لقد اعتاد أبناء الحروب على رؤية الجثث والدماء، لم يعودوا بحاجة إلى مشاهدة أفلام هوليود عن المعارك والحروب، فهم جزء من معارك حقيقية وليست "خدعا" سينمائية. إنني عندما أشاهد مقاطع الفيديو والصور التي تنقل الأحداث في مناطق الصراع والحروب في الوطن العربي، يعتصرني الألم لرؤية أطفال ومُراهقين فاقدين للأمل، ينظرون للمستقبل بعين يملؤها التشاؤم، يفتقرون للإحساس بالحب والانتماء، فباتت مشاعرهم متجمدة، وتحول العالم في أعينهم إلى مكان موحش.
الحرب لا تولد إلا الدمار بكل مستوياته، لا تعليم ولا تقدم ولا نهضة، خاصة وأن من يثيرها لابد وأن تصيبه نيرانها، والأمثلة كثيرة، وما يحدث من حولنا يؤكد صحة ذلك، فالخيارات العسكرية دائماً فاشلة لا تجلب معها سوى الخراب والدمار على جميع الأطراف، وتهدد البلدان بالتخلف عن الركب الحضاري، فضلاً عن خسارة مئات الملايين من الدولارات، التي كان من الأولى أن تتجه إلى التنمية والبناء والتعمير، بدلاً من تحويل معيشة الناس إلى مرارة.
وفي ظل ما يحدث من حولنا، ندرك أننا في عمان الغالية نعيش تحت ظل قائد حكيم، نجح في النهوض بشعبه ووطنه، وقاد تنمية حقيقية شاملة ومستدامة، فأضحت مسيرة النهضة المباركة مثار إشادة وثناء من الجميع، دولا ومؤسسات عالمية وأفرادا. وعلى المستوى الخارجي، نجحت الدبلوماسية العمانية بمرتكزاتها وثوابتها الوطنية في أن تكون رسول سلام في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. وما كانت هذه النجاحات لتتحقق لولا انتهاج سياسات تبني ولا تهدم، تمد يد الصداقة وترفض العدوان، نجاحات تحققت بعزيمة قائد محنك وسلطان معظم يحبه شعبه ويدين بالولاء والعرفان لمقامه السامي.
إنَّ الحروب لن تأتي بالتنمية المنتظرة، ولذا على كل دعاة الحرب ومن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء والمدنيين العزل، أن يكفوا أسلحتهم وأن ينسحبوا من أتون المعارك التي لا طائل منها، وأن يجلسوا إلى مائدة التفاوض بحثا عن السلام.. فلا تنمية بدون سلام.