بنك الصادرات العمانية

فايزة الكلبانية

لا تزال حتى اليوم إحصاءات وأرقام تصدير المنتجات العُمانية للخارج دون مستوى الطموح والمأمول، رغم ما وصلت إليه السلطنة من تقدُّم في العديد من المجالات؛ نظرا لأنَّ البعض من أصحاب الأعمال يرى أنَّ السوقَ المحلي قادر على استيعاب منتجاته دون الرغبة في خوض تجربة التصدير، لكن إذا وسعت إدارة هذه الشركات مداركها، واستفادت من مميزات اتفاقيات التجارة الحرة، والانفتاح على الأسواق العالمية، لجنت أكثر مما تتوقع.

لذلك؛ يجب على كل رجل أعمال وصاحب مصنع أنْ يسعى لتوسيع دائرة مبيعاته من الأسواق المحلية إلى الأسواق العالمية عبر التصدير.

لكن، والحق يقال، أنَّ ثمة تحديات تقف عائقا أمام نمو الصادرات العمانية، وأقصد هنا بكلِّ تأكيد الصادرات غير النفطية، التي تأمل الدولة أن تُعزِّز التنويع الاقتصادي مع تقليل الاعتماد على الصادرات النفطية، التي تشهد تذبذبات في الأسعار لعوامل عدة. فلابد من التفكير في الاتجاه نحو التصدير بقوة وجُرأة، واليوم بيئة الأعمال والسوق بحاجه لمزيد من التشجيع للشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة؛ كي تصدِّر مُنتجاتها للخارج؛ ففي ظل ما يُواجهه السوق المحلي من تحديات نتيجة لأزمات تراجع أسعار النفط، فإنَّ أهمية الصادرات تتمثَّل في تنمية القطاعات المنتجة نفسها والقادرة على جذب الاستثمارات، ومن ثم تنمو الإنتاجية، ويتعزَّز الابتكار، مع تزايد الحاجة لابتكار منتجات جديدة قادرة على اقتحام الأسواق العالمية، وهو ما سيعُود بالنفع على الجميع، ويوفر فرصَ التوظيف اللازمة لشبابنا.

وزيادة التركيز على الصادرات النفطية تُعزِّز من الميزان التجاري للسلطنة، فإذا ما استبعدنا صادرات النفط والغاز، نجد أنَّنا نُواجه عجزًا في الميزان التجاري مع دول العالم؛ لأننا نستورد أكثر مِمَّا نُصدِّر، وهذا أمرٌ يجب أن يُؤخذ في الاعتبار خلال المرحلة المقبلة؛ من خلال العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات، لتجنُّب استيرادها، رغم أننا قادرون على إنتاجها في الداخل.

ويجب أن نُدرك جميعا أنَّ الصادرات ليست نشاطا تُمارسه الشركات الكبيرة فحسب، فهذا غير صحيح؛ إذ إنَّ الشركات الصغيرة والمتوسطة قادرة على ممارسة أنشطة التصدير إذا ما توافرت الإرادة والإنتاجية، ولنا في شركات عسل النحل والتمور واللبان نموذجا، فليست كل هذه الشركات كبيرة، بل أغلبها صغيرة ومتوسطة.

والأبحاث المتخصِّصة في هذا الشأن تُؤكد إمكانية الاستفادة من الصادرات في تعزيز نمو مختلف فئات الشركات، وليس فقط الشركات الكبرى. وتوجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نحو أنشطة التصدير، ولو حتى تصدير بعض الفواكه والمحاصيل، سيعزز من نموها ويفتح أمامها مجالا واسعا للنمو والازدهار، لتتحول في وقت لاحق إلى شركات كبيرة قادرة على توظيف التقنيات الحديثة بصورة أكبر، وزيادة معدلات الإنتاجية فيما تُصدِّره من منتجات، وإيجاد فرص عمل للمواطنين، فضلا عن أنَّ أنشطة التصدير توفِّر فرصَ استثمار مباشر للشركات لا ينبغي التفريط فيها.

ولو تساءلنا: لماذا نصدِّر منتجاتنا العمانية؟ سنجد أنَّ هناك أسبابًا عدة تدعونا للتفكير في التصدير؛ فبحسب ما جاء في النشرة الإخبارية لــ"صُنع للعالمية.. أسبوع الصادرات العمانية" عام 2018، فإنَّ أسبابَ التوجُّه للتصدير تتلخَّص في: تحقيق الابتكار، وتحسين الأجور، وتوزيع المخاطر، وتوفير فرص العمل، واستقطاب المواهب، وتبنِّي أفكار جديدة، ومواجهة الأزمات، والمنافسة، والحصول على المزايا الشاملة، وزيادة المبيعات، والنمو بشكل أسرع، بجانب تحقيق المرونة في الأسعار والتغلب على المنافسة، ووفرة الإنتاج، وتقوية العلاقات الدولية، والاستيراد، وقبل كل ذلك: التصنيع داخل السلطنة.

لذلك؛ على مُؤسسات الدولة المعنية أنْ تَعْمل على تذليل التحديات أمام الصادرات العمانية غير النفطية، والتي تتسبَّب في عزوف المصدرين، وفتور الرغبة في التوسع الخارجي؛ مثل: تحديات التعامل مع العوائق الثقافية والقانونية واللغوية، وتلبية المتطلبات المتعلقة بالمعايير المطلوبة للتصدير وجودة الإنتاج، وتحديات الدفع والتمويل والسيولة، إضافة للتحدي الأبرز؛ والمتمثل في: عدم توافر المادة الخام، وفي هذه الحاله يجب على الجهات المختصة في السلطنة أن تستفيد مما تزخر به عُمان من مواد خام، كما هي الحال في قطاعات الثروة السمكية والتعدين على سبيل المثال، فنحن في عُمان نملك شواطئ ممتدة من شمال البلاد إلى جنوبها، فضلا عن المناجم المنتشرة في كل الولايات بفضل التنوع الجيولوجي.

ومن هذا المنطلق، أرى ضرورة التفكير بجدية في اتخاذ خطوات عملية وسريعة لتعزيز قطاع الصادرات غير النفطية، ومن أهم الأفكار التي يجب تنفيذها تأسيس بنك للصادرات العمانية، يقوم على توفير التمويل اللازم لعمليات الإنتاج المرتبط بالتصدير.. هنا، سنكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق، ومن ثمَّ ستتواصل المسيرة بإذن الله على خير.