ومضات فكرية من كتابات حاتم الطائي (72)

 

الحرب التجارية العظمي:

نحنُ أمام حربٍ ظاهرُها اقتصادي وباطنُها تكنولوجي سياسي؛ فالظاهر أنَّ الولايات المتحدة استفاقتْ فجأة على القفزة الصينية؛ فارتجفت أطرافُها وتعرَّقت رُعبا؛ خشية أن تَقضِي التكنولوجيا الصينية على الهيمنة الأمريكية، ومِمَّا زادَ المخاوف الأمريكية نجاحُ الصين في تكنولوجيا الجيل الخامس "G5"، وتمكُّن شركة هواوي من تقديم خدمات الجيل الخامس في بريطانيا و20 دولة أخرى على الأقل حول العالم. هُنَا، ثارتْ ثورة أمريكا، وخرج علينا ترامب بقرارات شعبوية وابتزازية للصين، واتِّباع سياسية العصا: "إما... أو...".

 

هل نحن مستعدون؟

إنَّ صُعودَ وهبوطَ الأمم في دورةِ الحضارات، يعتمدُ بالأساس على مَدَى امتلاكِها للتقنيات الحديثة، بجَانب عَوَامل أخرى؛ مثل: التاريخ، والجغرافيا السياسية.. ونحنُ في السلطنة نملكُ المقوِّمات لذلك؛ إنَّنا نعيشُ عصر الابتكار العلمي بامتياز، والتطوُّر المعرفي القائم على التكنولوجيا، فمَن يملك المعرفة التقنية يملك السلطة والقوة والنفوذ والمال، ويحجز له موقعًا رياديًّا بين الأمم.. فهل نحُن مُستعدون؟!

 

ماذا نحن فاعلون؟ وكيف؟

في خِضَم هذا الصراع التكنولوجي العالمي، ينبغِي أن ننظرَ إلى واقعنا في السَّلطنة، وأنْ نعملَ على تقييمه؛ من أجل بناءِ إستراتيجيات واضحة تَضْمَن لنا اللحاقَ برَكب التقدُّم، ليس فقط من حيث المعرفة، كأنْ نكُون على اطِّلاع بما يحدث من حولنا، أو نُضمِّن التكنولوجيا في مناهجنا الدراسية، لا.. ليس ذلك كل شيء، بل الأهم من ذلك: أنْ نكُون مُنتجِين للمعرفة، وأنْ نملكَ القدرة على طرح منتجات تكنولوجية تخدُم مُجتمعنا والعالم. ولن يتحقَّق ذلك سوى عبر تبنِّي الأفكارِ الابتكارية التي يطرحُها شبابنا في مُختلف المحافل المحلية والدولية، وهُنَاك بالفعل كوكبةٌ من الشبابِ العمانيِّ المثابِر أثبتَ جدارةً في هذا المضمار، ومنها أفكارٌ تحوَّلت إلى مشاريع رائدة. لكن يبقَى أن تُتَّخذ خُطوات أكثر عمليَّة على الأرض؛ مثل: إنشاء مركزٍ للطاقة الشمسية، وتكثيف الاهتمام بالتعليم التقني عبر برامج دراسية تمنحُ الطالبَ المعارف المستقبلية، لا أنْ يُدَّرس له تاريخ الحاسب الآلي!! نأمَل التوسُّع في الحاضنات الذكية، وأنْ يُسهم القطاع الخاص بالجزء الأكبر في تمويل الأفكار الابتكارية التي تطرحها هذه الحاضنات، ودعم تحويلها إلى مشاريع ناشئة؛ فلا يَكْفِي أنْ تكون لدينا مسابقة رائدة مثل مسابقة "آب جريد" لتحويل المشاريع الطلابية التقنية إلى شركات ناشئة، دون أنْ نُؤسِّس منظومةَ تمويل حقيقية تُوفر الدعم المادي لهذه الشركات، ودُون أن نطرحَ تخصُّصات أكاديمية تخرِّج طلابا مُؤهَّلين لسوق العمل المتطوِّر القائم على التكنولوجيا. نُريد أنْ نَرَى نموذجَ "واحة المعرفة مسقط" في مختلف المحافظات، أنْ يتمكَّن الطالب في محافظة الوسطى أو مسندم أو البريمي أو الظاهرة من الحُصُول على المناخ الداعم للابتكار، لا أن نركزَ اهتمامنا على محافظة واحدة أو اثنتين.

 

نظام عالمي جديد تقوده التكنولوجيا:

ومع تطوُّر الصين، وانفتاحها على العالم الغربي، نجحتْ في بناءِ نموذجٍ اقتصاديٍّ متين، يقومُ على الأيدي العاملة الهائلة، والإنتاجِ الضخم، والابتكار التكنولوجيِّ، وهذه العناصر الثلاثة هي التي مكَّنت الصين من احتلالِ مكانةٍ متقدمةٍ في مَسِيرة نموِّها الاقتصادي، حتى باتتْ تنافس الولايات المتحدة على صَدَارة الاقتصاد العالمي، وتحوَّل التنين الصينيُّ إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر دَائن للولايات المتحدة، وعملاقٍ اقتصاديٍّ لا يُشق له غبار على الساحة الاقتصادية العالمية. المُثير في قضية التقدُّم الصيني أنَّ الغربَ -بقيادة أمريكا- عندما سعى لإدماجِ النظام الاقتصادي الصيني في المنظومة العالمية، لم يُدرِك جيدًا حجمَ التفوُّق الصيني الذي سيتحقق خلال عقود قليلة؛ إذ كانَ التركيز منصبًّا على كيفية عَزل رُوسيا وشيوعيتها؛ باعتبار ذلك الخطر الأعظم الذي كان يُهدِّد العالم في تلك الحقبة. كما أنَّ الاقتصادَ الأمريكيَّ -ورغم كونه الأكبر في العالم، إلا أنه- استفادَ أشدَّ استفادة من النمو الصيني، فرُخْص العمالة، وانخفاض التكلفة الإنتاجية، من العوامل التي ساعدتْ الشركات الأمريكية والغربية بشكل عام على تحويلِ عملياتها الرئيسية إلى الصين، واستفادتْ هذه الشركات من الميزات التصديرية الممنُوحة للصين؛ في إطار منظومةِ التجارة العالمية. لكن في تلك اللحظة، قفزتْ الصين ووثبتْ إلى القمَّة، وتفوق "التلميذ" على "الأستاذ"، وباتتْ التكنولوجيا الصينية هي السائدة، وتفوَّقت على الجميع؛ بما في ذلك أمريكا -مهد التكنولوجيا في العالم- فالمختبرات البحثية المتطورة لشركات مثل هواوي وأوبو وجاينت -أكبر شركة دراجات في العالم- تتفوَّق الآن على شركات وادي السيليكون الأمريكية؛ مثل: آبل! 

تعليق عبر الفيس بوك