معاناة الطالب الجامعي

 

ناصر العموري

بين مطرقة الملاحظات الأكاديمية وسندان المستقبل الدراسي

يُمثِّل الالتحاق بالجامعة الهدف والمبتغَى لكل طالب وحلم كل أب لأبنائه، هذا طبعًا إذا أخذنا في الاعتبار اختلاف القدرات العقلية والفكرية بين طالب وآخر، ومؤخرا وخلال السنوات الماضية ظهرت ظاهرة -إن جاز تسميتها بـ"الظاهرة"- تتعلق باستهتار بعض الطلاب -والعدد ليس بالهين، إن صحت الأرقام المتداولة- بقوانين المؤسسة التعليمية المنضم إليها، وأهمها: نظام الملاحظات الأكاديمية تحديداً، واعتبار الدراسة أشبه بالفسحة.

وقد سَبق وتمَّ التطرق لنفس هذا الموضوع عبر حلقة عمل عُقِدت منذ حوالي سنتين، ضمت أغلب مؤسسات التعليم العالي الحكومية، واستعرضتْ كلَّ جهة تجاربها في آليات التعامل مع الملاحظات الأكاديمية، وتم تبادل الخبرات في سبيل بلورتها بما يخدم إيجاد سياسة وطنية للحد من الوقوع في الملاحظة الأكاديمية والسؤال المطروح هنا، وماذا بعد منذ سنتين من عقد حلقة العمل: هل تحسن الوضع؟ وهل هناك توصيات أو مرئيات طبقت؟ فالواقع وما تحمله الشواهد يقول غير ذلك!! ومن الملاحظ أن أنظمة الملاحظة الأكاديمية المطبَّقة في مؤسسات التعليم العالي المحلية في تباين، بل وتختلف فيما بينها؛ الأمر الذي يسبب الإرباك لدى الطالب نفسه، وكذلك المختصين في وزارة التعليم العالي في التفريق بين هذه الأنظمة والتعامل مع حالات الطلاب الواقعين تحت الملاحظة الأكاديمية بمبدأ المساواة، دون النظر للظروف، وكما هو معلوم أنَّ هناك شبهَ إجماع بين مؤسسات التعليم العالي حول أسباب الوقوع تحت الملاحظة، والتي تتمثَّل في أسباب أكاديمية واجتماعية واقتصادية وصحية ونفسية، كما أنَّ الفرصَ التي تمنحها هذه المؤسسات للطلاب للخروج من الملاحظة الأكاديمية هي ثلاثة فصول أكاديمية، ولكن الإجراءات المتبعة فيما بعد هذه الفرص تختلف من مؤسسة تعليمية إلى أخرى، فهل يتم هنا إشعار الطلاب مُسبقا بعدد الساعات المطلوبة بعد الفصل الثالث؟ لتجنب الفصل النهائي؟!

وتتجلَّى أهم الأسباب هنا في خبرة المرشد الأكاديمي، فهو له دور مهم في توعية الطالب منذ بدء دراسته الجامعية ومتابعة أصحاب الملاحظات الأكاديمية منهم، وتنبيههم، ومن الضروري أنْ يملك المرشد الأكاديمي خبرة أكاديمية طويلة، لا أن يتم تغييره في كل سنة دراسية، فعدم ثبات المرشد الأكاديمي، وقلة خبرته، نتيجة تغيره المستمر، ربما يُؤثر بشكل عكسي على الطالب، خصوصا إذا كان لديه إنذار نهائي، ومن ضرورة إيجاد حلقة وصل بين المرشد الأكاديمي ومركز الإرشاد الطلابي وتوجيه الطلاب لزيارته متى ما وجدت الضرورة الملحة لذلك، حيث يساعد المركز الطالب على تجاوز الصعوبات والمعوقات التي تُواجهه أثناء دراسته، كما يمهد له خارطة طريق أكاديمية بناء على مستواه وقدراته، والغريب هنا حين تلجأ أغلب المؤسسات التعليمية إلى إشعار أولياء الأمور بانخفاض مستوى أبنائهم بعد الإنذار النهائي بحُجة أنَّ الطالب يتحمَّل مسؤولية نفسه، وكان الأجدى أنْ يتم إشعار ولي الأمر منذ الإنذار الأول حتى يُمكن علاج ما يمكن علاجه قبل فوات الأوان، وتكون هناك مسؤولية مشتركة بين إدارة الجامعة وأسرة الطالب، لا سيما مع وجود آثار نفسية واجتماعية تؤثر على مستوى الطالب الذي قد ينحرم من جهد سنوات دراسته الجامعية، دون بديل، هذا إذا لم يتم اعتباره كدبلوم أو تحويله من خلال معادلة مقرراته إلى كلية أخرى.

ومن الصعوبات التي تطفُو على السطح كذلك: اختيار طلاب أصحاب المواد الأدبية للدراسة في التخصصات العلمية؛ مثل: كلية التجارة والاقتصاد، تقبل علمي/أدبي، تجد الدراسة فيها لمواد علمية. إذن، ما مصير طلاب المواد الأدبية هنا؟ والمفروض أن يكون هناك تنسيق في دخول الطلاب تخصصات تناسب طبيعة دراستهم؟ أو تحويلهم لكليات أدبية، كما يجب إعادة النظر في العديد من الطلاب المتميزين في الأنشطة الطلابية وقعوا ضحايا للملاحظات الأكاديمية، وكانت النتيجة الفصل النهائي لأسباب شتى، ولم يتم النظر في كونهم متميزين وأصحاب مواهب، ونتيجة لذلك قد تفقد الجامعة العديد من أصحاب المواهب دون الظرف في تميزهم في الحقول الأخرى.

وأقترح عبر هذا المقال: تشكيل لجان في كل مؤسسة تعليمية تعمل على متابعة وتتبع أسباب ومُسبِّبات وقوع الطلاب في الملاحظة الأكاديمية وكيفية علاجها، وتلافي وقوعها، وعمل ما في صالح الطالب قبل استفحال الأمر.

ومن الأهمية هنا كذلك تسليط الضوء إعلاميًّا على هذه الظاهرة، وتكثيف اللقاءات وحلقات العمل بين وزارة التعليم العالي ومؤسسات التعليم المختلفة ومراجعة الأنظمة والتشريعات، بل وتعديلها، بهدف التغلب على الواقع الحالي لنظام الملاحظة الأكاديمية، والخروج بسياسة واضحة ومحددة لهذا النظام في تلك المؤسسات، للوصول إلى مُستويات الجودة المنشودة في العملية التعليمية، بما يتلاءم مع توفير تعليم عالي الجودة يُخرِّج خريجين مجيدين يُسهمون في رقي البلد ورفعته.