يوسف عوض العازمي
"ليست العبرة في كثرة القراءة، بل في القراءة المجدية".. أرنولد توينبي
قبل أيام كنت في إحدى المكتبات العامة، أبحث عن كتاب معين، وهناك قدر الله وجلست مع أحد القائمين على المكتبة، وبعد عدة "سوالف" كان الحوار حول الكتاب وأهميته كمنتج ورقي في عصر اليوتيوب وثورة الاتصالات ووسائل النشر الإلكترونية المتاحة للجميع، وبأن الكتاب ذو المائتين والثلاثمائة والأربعمائة صفحة أصبح متعبا" للقارئ، وحتى في البيع متعب لنافذة البيع، وحتى الصحف الورقية أصبح وضعها سيئا" للغاية، وأن الناس اتجهت نحو القنوات المشاهدة على اليوتيوب وبقية وسائل التواصل، وبأن مؤلف الكتاب بإمكانه إنشاء قناة وقراءة الكتاب في هذه القناة وبإمكانيات بسيطة وتكلفة مالية تكاد لا تذكر !
العالم يتغير بسرعة، وذائقة القارئ تتبدل، وظروف الزمن تختلف من زمن إلى آخر، وأذكر كنت في حديث مع أحد كبار كتاب الصحافة، وكان يتحدث بحماس عن عصر اليوتيوب ووسائل التواصل، وبأن الصحف الورقية انتهت وانتهى الغرض منها، والآن الخبر ينشر في وقت حدوثه، ولاحاجة لمراسلين ومحررين وتنفيذ صفحات وآلات طباعة وغيرها، وأن على الكاتب أن يساير التطور، لا أن يقف بينما العجلة تدور ويدور معها الكثير !
في ماضي الأزمان وفي تاريخ الإنسان القديم، كانت المخطوطة هي الحل، وكانت تكتب على ألواح من طين وفخار، وانتقل الأمر فيما بعد للكتان، ثم للورق، ومايزال ..
قبل سنوات أصدر المجمع الثقافي في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة "الكتاب المسموع" على كاسيتات حيث تأخذ الكاسيت وتضعه بمسجل السيارة وتسمع كتابا"مسموعا" يقرأ بلغة عربية، حيث أنتج المجمع الثقافي عدة كتب مسموعة وبشكل مميز، وكان في ذلك إضافة رائعة للمكتبة العربية ..
وتأتي الأسئلة تباعا" حول هذا الموضوع، مثلا" المكتبات العامة التي تتباهى بها الكثير من الدول، وهي مكتبات تعتمد أساسا" على النسخ الورقية للكتب (قامت كذلك الكثير من هذه المكتبات بوضع أجهزة حاسب آلي لقراءة الكتب إلكترونيا" ماهو مصيرها بعد سنوات؟ هل ستستمر في عرض الكتب للقراء والمهتمين؟
سؤال آخر: هل سيكون لقنوات اليوتيوب العلمية والثقافية والاجتماعية حافظات إلكترونية خاصة بهذه المكتبات ودور القراءة، تؤرشفها وتحفظها وتضعها رهن الطلب للباحثين والمهتمين؟
الآن شئنا أم أبينا الإنترنت هو المسيطر الأبرز على عالم القراءة، كثير من الكتاب أصبح لايهتم كثيرا" بنشر المقال بالنسخة الورقية للصحيفة التي يكتب بها، إنما اهتمامه الأكثر هو ضمان نشر المقال برابط خاص بالنسخة الإلكترونية.
العالم يتطور بسرعة، وكما لكل زمان دولة ورجال، فحتى الكتاب صناعته تتغير عبر الأزمنة، كان مخطوطا" ثم ورقيا" (ومايزال) وثم الآن بشائر نسخ الكتاب الإلكتروني، ولا أعلم إلى أين سيصل الوضع، إنما الأهم أن الكتاب هو الكتاب سيحتفظ بأهميته سواء مخطوطا أو ورقيا أو إلكترونيا، بقي الكتاب وتبدل الشكل ..