سحابة فراق

 

فاطمة الحارثية

 

ضاحك الوجه مبتسم القلب، يعمل بيننا بكل شفافية وأمانة، لم ألمح على محياه عبوسا يوما، ولم يتأخر في أي عمل خير سأله سائل

 

لن يأتي الموت في وجود، ولا ندري متى نستكمل حياتنا مع الله وفي أي لحظة يكون اللقاء، "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)"الرحمن.  نعم كلنا مفارقو الحياة لكن محكوم علينا بالخلود، والقادر عزَّ وجلَّ حكم علينا بالاجتهاد والجهاد "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)" العنكبوت.

  ضاحك الوجه مبتسم القلب، يعمل بيننا بكل شفافية وأمانة، لم ألمح على محياه عبوسا يوما، ولم يتأخر في أي عمل خير سأله سائل. لا يعرض المساعدة بل يُبادر بها بكل أريحية ليكسب قلب المحتاج، يحفز على حب الحياة لأنه تجزأ منها في روحانية جعلت من يعرفه يذكر الله في حسن خلقه وبركة روحه.   

أول لقاء عمل لي معه كان في تحدي عرض مرئي، مع هامات دُربت على البحث والتنقيب في إعوجاج قد يحتاج إلى تقويم أو مسار حاد عن الطريق المرسوم له والمعتمد من قبلهم، لم احتج إلى أن أقود عرضه مثل البقية، وقف شاباً شامخاً يُقدم عرضه بكل ثقة، لم يتأثر بمقاطعة الحضور بأسئلتهم المستعجلة والمستفزة، بل كان يُوقف العرض بهدوء والابتسامة لا تُغادر محياه ويستقبل سؤال السائل، ويغدق عليه بالإجابات الوافية والحماس يفيض منه.  شاب عمل على صقل مهاراته ومواهبه لينضم إلى قافلة المجيدين، لم يتباهَ أو يركن إلى درجاته العالية ولا تفوقه الأكاديمي بل أراد التميز وتوجه إلى فهم ووعي إمكانياته وقدراته ليبزغ شمساً أنار كل من حوله وألهمنا جميعًا، لتغزو سحابة الموت فراقه وتطفئ وهج ركنَّا إليه واعتززنا به.

فارقنا مازن دون وداع لأن رحيله كان على قارعة طريق، باغتته ظلمة الليل فجأة لتسرق وهج قلبه المنير وتأخذه بعيدًا عن أحبائه وزملائه في غرة محرم. نُكست القلوب لفراقه ورُفع الدعاء وسُئل له الجنة والمغفرة ولنا السلوان.

رسالة

كل منِّا لديه حكاية وربما حكايات كثيرة ترسم خارطة حياته، قد يتسنى للبعض سردها وقد يداهم البعض الآخر مفترق الطرق ويرحل سريعاً دون أن يُكمل كتابة قصته لنا. رحل جسداً لكنه بقي روحا طيبة بيننا.