الأصالة.. واستدامة السُلطة الرابعة

 

فاطمة الحارثية

 

عرفناها بالسُلطة الرابعة، سلطة تربط بين التنفيذية والتشريعية والقضائية، اعتمد عليها النَّاس ومازالوا في مُعظم نواحي حياتهم، إن لم يكن كلها، ولأهميتها لا بُد أن يكون لها رؤية وأهداف وإستراتيجيات ترتكز على حوكمة حيَّة، إنْ لم تستطع الدول السيطرة على المحور الأساسي في منظومة الإعلام لن تستقر الحياة ولن يطيب لهم العيش؛ والواقع أكبر برهان على ذلك، ولجوء العديد من الدول، إلى حجب بعض وسائل الإعلام وهي أداة فاعلة للسلطة الرابعة، أكبر برهان على مدى التأثير في استقرار الأمم والمجتمعات.

نمتلك الكفاءات، نمتلك الشغف ولدينا الإمكانيات، فأين التحدي؟ ربما لأنَّ الكلمة التي تصنع المحتوى لم تُعطَ حقها في الحفظ والتوجيه، وربما اندمجت أدوات الإعلام، مع مختلف البرامج دون أن يكون للإعلام بذاته هيئة واضحة، أو بيانا لسبل التحكم والتوجيه الذي يحافظ على مغزى ووقع الكلمة وأثرها، لنتفق أن لا ضرر يأتي من الأدوات ولكن المحتوى هو الأساس، والأسلوب هو الدفة وما يجذب المتلقي/ الزبون؛ يُجمع الكثير من المعنيين أن علينا أن نواكب رغبة المتلقي/ الزبون، مثلًا: ماذا يجذب الزبون/ القارئ؟ ماذا يُريد أن يقرأ؟ وكيف؟ والكثير من المغالطات، التي أرى أنها تزيد من انحدار الواقع والإضرار بالمجتمع. نحن الآن نقارب الثمانية مليارات نسمة، فكم قارئ نحتاج لنرفع الاستثمارات في هذا المجال، ليست بالحسبة الصعبة، وتحتاج فقط إلى استراتيجيات مبنية على اتساق طويل الأمد، والاستثمار الأمثل للوسائل الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي. والاختلاف هو الحل الحقيقي بعيدا عن نظريات التغيير أو المواكبة، مع النظرة الإيجابية نحو أدوات الإعلام العصرية فهي ليست العدو، فهي قائمة على حاجة أساسية وهي "استدامة جودة المحتوى" وبدونه تنتهي هذه الأدوات وتندثر، وبدون محتوى حقيقي لا تعظيم لأوجه الاستثمار، وبدون فائدة جاذبة من المحتوى يعزف الفكر قبل الزبون، إذًا الكل مرتبط بكل، فلنتعامل مع المشكلة وليس الأعراض.

كم استبيان ترصده مؤسسات وشركات الإعلام حتى تصنع قرارًا؟ كم سيناريو تصوغ من ثنايا الاستشراف حتى تصنع دراسة جدوى؟ كم مُقارنة معيارية تتدارسها هذه المؤسسات قبل أن تنشر؟ نعم إن العالم في سباق مع الزمن وتواتر بالكاد نلحق بالركب، والمرونة والتنوع من أهم الحلول لضمان تحقيق الأهداف والاستراتيجيات الإعلامية، وأيضًا الاستثمار خارج نطاقنا المحدود بحكم التعداد السكاني الضعيف، خاصة مع التباين الهائل للغة؛ حيث إنَّ أكثر من نصف عدد سكاننا من غير الناطقين بالعربية، وهل الحل وسائل أجنبية، ربما لا، وربما كاستثمار خارجي في مساحات أكبر، يغذي ويضمن استدامة الداخل حلا قد يُنظر إليه. لن تنقطع الحلول ولن نعجز على استدامة الإعلام إذا امتلكنا الإصرار وحكمة الفكر.

هل نحتاج إلى أن نُعيد بناء منظومة الإعلام القائمة ومن ثمَّ برمجته وتجزئته مرة أخرى؟ ونعطي كل ذي اختصاص اختصاصه، حتى نستطيع أن نُعزِّز العائد الفكري والاستثماري منه؟ مثلًا إعلام الطفل، الإعلام البرلماني، الإعلام الإبداعي، الإعلام الاقتصادي، الإعلام البيئي وغيره من المحاور التي تستقطب وتحقق الاستدامة على الصعيد الداخلي والخارجي، ولن أقول إن الأدوات التي يستخدمها النَّاس حاليًا تأتي بعكس ما نرغب، في الضفة المقابلة، لنُعيد شغف القراءة لدى الطفل، سواء القراءة الورقية أو الإلكترونية، ونؤسس لهم رؤية تحقق الاستراتيجيات والأهداف الإعلامية طويلة المدى.

التأثير الذي يصنع البصمة ليمتد الأثر ويتجذر، يكمن في جودة المحتوى، الاستثمارات الذكية التي تعتبر المال وسيلة لغاية نبيلة مثل حفظ سلامة فكر الكلمة، وحوكمة السلطة الرابعة "الإعلام"، برؤية ومعايير واستراتيجيات، أكثر تعظيما لعوائده ومردوده الجوهري والمادي، الاستقطاب وحلول مبتكرة تعزز بيئة المتلقي والقبول بعيدا عن محاولة الصعود على حساب الارتقاء ووجوب عدم استخدام التحفيز السلبي.

وإن طال!

كل صفقة تقوم على كلمة، كل سلطة نفاذها يقوم على الكلمة، كل قرار يُبلغ في كلمة، كل حرب قامت على كلمة، السلام كلمة، الحب كلمة، الجهد كلمة ومجموعة الكلمات محتوى يصنع المستحيل، لنستثمر الكلمة لتبقى أصيلة وتدوم لنا ولمن بعدنا.