ومضات فكرية من كتابات حاتم الطائي (71)

 

تساؤلات حول نظامنا التعليمي

في ظلِّ ما يشهدُه العالم من حَولنا من تطوُّرات مُتلاحِقة، لا تستطيع حتى الدول المتقدِّمة مُواكبته- بتنا في السلطنة، وكذلك نظامنا التعليمي، بحاجة إلى المزيد من التحديثِ والتطوير، بسرعةٍ تُؤهِّلنا للحاقِ بركب التقدُّم، ومُسايرة الأمم الأخرى في رحلتها العلمية والمعرفية. وأوَّل ما يَتَبادر إلى ذهنِ مَن ينشغل بقضية التعليم - وأخصُّ بالذكرِ هنا -: التعليم المدرسي قبل الجامعي، الذي يُمثِّلُ ثلاثة أرباع رحلة الطالب التعليمية- الأسئلة التالية: هل نملكُ في السلطنة نظامًا تعليميًّا متطورًا قادرًا على مُواكبة المتغيرات المتسارعة، ويلبِّي طموحات الطالب والدولة أيضًا؟ ولماذا تُعاني مُخرجات التعليم لدينا تحدِّي عدم مُواكبتها لمتطلبات سوق العمل؟ وما هي الآليَّات الناجعة التي تَضْمَن توفيرَ نظام تعليميٍّ على أعلى قدرٍ من التميز والإجادة يُساعِد على تخريج أجيال من الطلاب قادرين على الإمساكِ بزمامِ المستقبل في شتَّى المجالات، خاصة التقنية منها؟

الإجابة عن هذه الأسئلة:

تتجلَّى من خلال إبراز مفهوميْن بالغيْ الأهمية؛ أولهما: اقتصاد المعرفة، وثانيهما: الثورة الصناعية الرابعة.

***

 

أين تعليمنا من الثورة الصناعية الرابعة؟

هنا، يجبُ أن نُفكِّر بعُمق: هل ما نُقدِّمه لأبنائنا من مناهج تعليمية - سواء داخل القاعة الدراسية، أو في المعامل والمختبرات- يُساعد الطالب على مُواكبة هذه الثورة الصناعية الرابعة؟ الإجابة: نعم، في حالاتٍ قليلة جدًّا.. فلا تزال المهارات الخاصة بالثورة الصناعية الرابعة تنطلقُ من دَوَافع ذاتية لدى الطالب، وليس هناك منهجٌ متخصصٌ مثلا في علوم الروبوتات، ولا إنترنت الأشياء، ولا سلاسل الكتل، أو الحوسبة الكمية في مدارسنا! وهُنا المعضلة ثلاثية التكوين؛ أي أنَّ المنهجَ لا يتضمَّن ذلك، وأيضا المُعلِّم غير مُؤهَّل لتدريس هذا النوع من الدراسة، إلى جانب أنَّ المدارس غير مُستعِدَّة لغياب المكونات والإمكانيات في المختبرات.

***

 

نقاط ضعف نظامنا التعليمي:

نحن الآن نعلمُ ونُدرك جيدًا نقاطَ الضَّعف التي تُوَاجِه مسيرةِ التطوير في التعليم؛ وهي باختصار: غياب التفكير النقدي لدى الطلاب؛ نتيجة اعتمادهم على أنظمة التلقين والحفظ، وشيوع ثقافة التعليم من أجل الحصول على أعلى الدرجات في الامتحانات واللحاق بتخصُّص دراسي ما ليس لأنَّه يتماشى مع ميول الطالب، بل لأنَّ الأهل رُبما يريدون من ابنهم/ابنتهم دراسة تخصُّص بعينه؛ لأسباب غير عملية... لدينا أيضًا كوادر تدريسية هي على قدرٍ كبيرٍ من الإخلاص في العمل، لكنَّ الكثيرَ منهم لم يتلقَّ التدريبَ الكافي لتدريس المناهج ذات الصلة بالثورة الصناعية الرابعة. تُعانِي بعضُ مدارسنا من الرَّتابة والمَلل في التدريس، ويحملُ أبناؤنَا أثقالًا من الكتب الدراسية المطبوعة، في وقتٍ تسبحُ أصابعُهم على "التابلت" أسرع مِمَّا يكتبون بأقلامهم!

***

 

قرارات جريئة نحتاج إليها:

لا بديلَ عن حزمة قرارات جريئة تدفعُ عملية تطوير التعليم خُطُوات إلى الأمام:

أولها: وضع خطة لافتتاح مُختبر خاص لإنترنت الأشياء في كلِّ مدرسة، وألا يقتصرُ الأمرُ على مدارس المدن، أو أن تكون تجارب جُزئية في ولاية هنا أو هناك، فخَصَائص إنترنت الأشياء يجب أن يتعلَّمها جميعُ أبنائنا قبل إتمام تعليمهم المدرسي.

ثانيا: يجبُ أن تتخلَّص وزارة التربية والتعليم من فكرة طباعة جميع الكتب المدرسية؛ فهُناك كتبٌ يجب أنْ تتحول تلقائيًّا إلى مناهج رقمية، يستطيعُ الطالب أنْ يحصلَ عليها عبر الإنترنت، وأنْ يستذكرها من خلال جهاز لوحي أو حاسوب، وأنْ يكون الامتحان كذلك من خلال الإنترنت، مع توفير الضمانات اللازمة لنزاهة الامتحانات.

ثالثا: إجراءٌ آخر نأملُ أن نَرَاه كلَّ عام دراسي: وهو أنْ تتحوَّل المناهج إلى مُمَارسات داخل القاعة الصفية؛ فتعلُّم اللغات يجب أن يكون في مُعظمه تعلُّمًا عمليًّا لا نظريًّا؛ فاللغة مُمَارسة، وما أفضل الممارسة بين الطلاب وبعضهم ومعلِّمهم. لذلك؛ أنطلقُ من هذه النقطة إلى مسألة "أنسنة المناهج"، خاصة المناهج الأدبية؛ مثل: التاريخ؛ فكم أتمنَّى أن يكُون تدريس مادة التاريخ قائمًا على قراءة عَمِيقة للأحداثِ التاريخية، لا فقط إلزام الطالب بحِفظ: "في أي ساعة وقعت معركة كذا"، و"كم شخص قُتِل فيها"!!

 

تعليق عبر الفيس بوك