"فايننشال تايمز": البنوك المركزية بحاجة لأدوات جديدة لمكافحة الركود المتوقع

ترجمة- رنا عبد الحكيم

قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن البنوك المركزية حول العالم في حاجة ماسة إلى ابتكار أدوات جديدة تساعد على مواجهة الركود الاقتصادي المتوقع خلال المرحلة المقبلة.

وأوضحت الصحيفة في تقرير لها أن محاولة التنبؤ بالركود بمثابة "لعبة حمقاء"؛ رغم أنه يمكن للحوادث التي يصعب التنبؤ بها وضع حد لها، والحرب التجارية واحدة من هذه الحوادث المحتملة. وأضافت الصحيفة: "السؤال ليس متى، ولكن كيف ينفجر الركود؟ وسياسة الاستجابة هي مفتاح الإجابة".

كان أبرز خطأ في السياسة فيما يخص التاريخ الاقتصادي هو عدم وجود استجابة مناسبة للانهيار المالي في عام 1929؛ حيث فشلت البنوك المركزية في إدراك تأثير إخفاقات البنوك وديناميكيات انكماش الديون، وكانت السياسة النقدية محدودة للغاية. إذن ما كان يمكن أن يكون مجرد ركود أصبح كسادًا كاملاً. وساعدت الدروس المستفادة من تلك الفترة في التعاطي مع الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

وترى الصحيفة أن الوقت هو من سيقول ما إذا كان إطلاق حرب تجارية سيصبح خطأً تاريخياً آخر، لكن ثمة أمر واحد مؤكد وهو أنه لم يعد لدى صانعي السياسة الذخيرة المطلوبة للرد بشكل صحيح على فترات الركود السابقة، ناهيك عن الأزمات الكاملة.

وحتى الآن، عملت السياسة النقدية بشكل أساسي من خلال خفض أسعار الفائدة على تحفيز الطلب والإقبال على المخاطر. لكن نظرة خاطفة على أسواق رأس المال تظهر أن هذا لم يعد خيارًا الآن. فثلث جميع السندات الحكومية على مستوى العالم- وثلثيها في أوروبا- تقدم عوائد بالسالب. حتى في الولايات المتحدة، التي لا تزال تتمتع بنمو معتدل، فإن عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل عند مستويات قياسية أو بالقرب منها، ويمكن أن تتجه بسهولة نحو الصفر في حالة ركود. وأحدثت السياسة النقدية التقليدية آثارا جانبية غير سارة، مثل زيادة عدم المساواة وتطبيع معدلات منخفضة إلى سلبية، فضلا عن العواقب السلبية على المدخرين وربحية البنوك.

فما هي الأدوات الأخرى المتاحة؟

تسهم السياسة المالية بدور رئيسي في أي انكماش مستقبلي، لكنها لن تكون كافية في حد ذاتها. وفي حين أن هناك قوى مؤثرة في اللعبة تسهم في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، فإن هذا قد يتغير مع طرح حوافز مالية كبيرة عندما يكون الدين عند مستويات قياسية ويرتفع. علاوة على ذلك، تاريخيا، لم تكن السياسة المالية مرنة بما يكفي لنشرها بسرعة عند الحاجة.

وفي فترة الركود المقبلة، من المتوقع أن تنشأ حاجة إلى إطار سياسة مختلف، ويشمل ذلك ما يمكن تسميته بـ"التوجه المباشر"؛ أي السياسات التي تضع أموال البنك المركزي في أيدي مسؤولي الإنفاق بالقطاعين العام والخاص، بدلاً من الاعتماد على حوافز خفض الأسعار.

ويمكن تنظيم مثل هذا الإطار بعدة طرق، لكنه يتطلب بالتأكيد تنسيقاً أوثق بين السلطات المالية والنقدية لضمان ألا يؤدي التوسع المالي إلى زيادة في أسعار الفائدة. ومع مرور الوقت، سيساعد ذلك على استعادة بيئة معدل فائدة أكثر طبيعية، مما يقلل من ضغوط أسعار الفائدة المنخفضة على المدخرين وعلى النظام المالي.

ولضمان جدوى هذه السياسة، يجب أن تتضمن سياسة التوجه المباشر العناصر التالية:

أولاً: تحديد واضح للظروف التي تستدعي مثل هذا التنسيق غير العادي للسياسة.

ثانياً: هدف تضخمي واضح تتفق عليه السلطات المالية والنقدية بشكل مشترك لتحقيقه.

ثالثًا: آلية تتيح النشر الفوري لتدابير السياسة المالية الإنتاجية، دون التأثير السلبي للسياسة النقدية على عدم المساواة.

وتتساءل الصحيفة: "هل يمكن أن تقدم الأموال الرقمية شيئًا ما هنا؟ أخيرًا، وبشكل حاسم، استراتيجية خروج واضحة".

وترى الصحيفة في تقريرها أنه يمكن أن تتخذ مثل هذه الآلية شكل تسهيل مالي دائم طارئ لن يتم تفعيله إلا عند استنفاد السياسة النقدية، ولا يزال من المتوقع أن يؤدي التضخم إلى تحقيق هدفه. ويتم تحديد حجم التسهيل من قبل البنك المركزي ومعايرتها لتحقيق هدف التضخم (بما في ذلك تعويض عن ضياع التضخم الماضي)، في حين أن استخدام الأموال سوف تقرره السلطة المالية.

وتؤكد الصحيفة أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، وأنه يجب إيلاء اهتمام وثيق للهيئات القانونية والمؤسسية ذات الصلة لمختلف الولايات القضائية؛ حيث سيواجه البنك المركزي الأوروبي تحديات خاصة في هذا الصدد.

وتختتم الصحيفة قائلة: "إذا غرقنا في أزمة مالية أخرى، فإن "التوجه المباشر" سيكون خيار السياسة الوحيد".

تعليق عبر الفيس بوك