نريد عضو شورى فاعلًا لا انفعاليًّا!

عبدالله العليان

بعد أسابيع، تجري عملية التصويت لانتخابات مجلس الشورى للفترة التاسعة؛ حيث تنتهي الدورة الحالية هذا العام، ويُدلي المواطنون بأصواتهم لاختيار ممثليهم للمجلس، مِمَّن يُتوسَّم فيهم القدرة، والكفاءة، لخدمة هذا الوطن، وتلمس قضاياه واحتياجات المواطنين، بما يقدمونه من أفكار وآراء تُسهم في التنمية الوطنية، والارتقاء بقضاياهم وتطلعاتهم في الحياة الكريمة التي سعت نهضتنا المباركة إلى تحقيقها.

مُهمَّة الأعضاء الجُدد أنْ يكُونوا على قدرٍ من المسؤولية التي يَطْمَح إليها الوطن والمواطن؛ من خلال النقاشات والحوارات التي تجري بين أعضاء مجلس الشورى من جهة، وممثل الحكومة في مجلس الوزراء من جهة أخرى، وهنا لنا وقفة في هذا الجانب المهم من مهام ومسؤوليات، وهي أن عضو مجلس الشورى له حدود لصلاحياته وأدواته البرلمانية الممنوحة له، بمُوجب ما وضعته المراسيم السلطانية من قوانين ولوائح وتعديلاتها، والتي يطرحها العضو، وبها الكثير من الأدوات البرلمانية التي يحقُّ للعضو استخدامها؛ وهي: البيان العاجل، وطلب الإحاطة، والسؤال البرلماني، وإبداء الرغبة في طرح مسألة للنقاش، ولجنة تقصي الحقائق، وطلب المناقشة من خمسة أعضاء، والاستجواب من خمسة عشر عضواً، ومناقشة البيانات الحكومية.

هذه الأدوات البرلمانية مهمة وجيدة للتحرُّك الفاعل نحو ما يودُّ العضو طرحه ومناقشته، كما تعدُّ مجالا خصباً لتقديم ما يراه من قضايا وموضوعات، لكن الذي لا أتفق معه أن يخرج العضو من مجال هذه الأدوات، وأن يُشخصِن الأمر، ويندفع في طرح آراء ليس لها محل من الإعراب -بين ما يهمُّ أدواته- وبدلا من أن يكون فاعلاً فيما هو حقٌّ وواجب في تقديمه بالمجلس، يتحوَّل إلى شخص انفعالي في مُناقشاته، فهذا يضرُّ أكثر مما ينفع، فنخسر الأدوات البرلمانية التي نريدها فاعلة كأداة لطريقة تجعل الموضوع منطقيًّا وإيجابيًّا، وننزلق إلى نقاشات وآراء تبتعد عمَّا هو في صلب هذه الاحتياجات ومتطلباتها.

أيضًا في الدورات السابقة -ومنها الدورة البرلمانية الحالية- سَمِعنا وشَاهدنا أن بعض الجلسات التي جرى فيها التصويت، كان العشرات من أصحاب السعادة الأعضاء قد تغيَّبوا عنها! وهذا للأسف موقف سلبي، ويُخالف ما هو ضروري لطرح الأفكار الجديرة بالمناقشة، لاسيما وأنَّ بعض هذه القضايا تهمُّ قضايا عامة ويحتاج لها الوطن، أما الغياب والتهرُّب من الاستحقاق البرلماني الممنوح للعضو، فهذا أمر محيِّر!! فهل السبب أننا تنقُصنا كفاءة العضو بهذا المجلس وقدرته على إدراك أهمية التصويت في قضايا وُضعت له من أجلها الأدوات البرلمانية المناسبة؟ أم أنَّ هذا العضو لا تهمُّه هذه القضايا التي تهمُّ الوطن، أو أنه مُجرَّد عضو جاء بتزكية لغرض ما في ترشيح نفسه، هذه الاحتمالات قالها البعض عندما عَلِم بخروج بعض أصحاب السعادة الأعضاء إلى قاعات الاستراحة بالمجلس عند التصويت، أو تغيَّبهم تلك الليلة عن الجلسة! فظاهرة الغياب مُلَاحَظة كثيرًا، وفق ما نسمع، وهذه تحتاج لوائح ضابطة، بهدف وقف مثل هذه المخالفات.

لذلك؛ نعتقد أنَّ الأعضاءَ الأكفاء سيقدِّمون المصلحة الوطنية دون أدنى شك، وهذا واجبٌ على العضو وليس خياراً، أن يلتزم بما هو منوط به من التزامات وواجبات عند نجاحه ووصوله إلى قبة البرلمان. فالمسألة أنَّ هذا العضو عليه واجبات، لابد من أخذها في الحسبان، ولا مَهْرب منها، وإلا لماذا تقدَّم للترشُّح لعضوية الشورى؟ ثم إنَّ الأمر شراكة بين مجلس الشورى والحكومة، كما أشار جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في أحد خطاباته بمجلس عُمان؛ حين قال ما نصُّه: "إننا ننظر إلى مجلسكم -مجلس الشورى- كشريك للحكومة في العمل من أجل بناء هذا الوطن، وخدمة مواطنيه"، مشيراً جلالته في فقرة أخرى من خطابه إلى أنَّه "ومن ثمَّ، كان لزاماً أن تتساند جهودنا جميعاً، وأن تَتَناسق من أجل تحقيق نتائج أفضل وأشمل لخطط التنمية وبرامجها التنفيذية، ترقَى بحاجة المجتمع، وترفع من مستوى معيشة أفراده، وتعُود في مُجملها بالخير على هذا الوطن العزيز". إذن؛ المسؤولية مشتركة، وعلى الحكومة أن تتقبَّل الآراء التي يطرحها الأعضاء، وفق ما هو مَمنُوح لهم من أدوات، لكن بالصورة الإيجابية التي لا يتحوَّل الأمر معها إلى تجاذبات لا طائل ولا حاجة لها، ولا تحقق شيئاً، وعليها كذلك الاهتمام بالقضايا الجوهرية التي هي مطلبُ المواطن من عضو مجلس الشورى في دورته المقبلة، والأدوات التي بين يديه تُعطيه المجال لطرح ما يهمُّ الوطن والمواطن، كما أنَّنا نود أن يكون المترشح للشورى واعياً لمسؤولياته الوطنية عند انتخابه، وعلى الناخِب بالمقابل أنْ يختار العضو الذي يملك القدرة والكفاءة على تناول القضايا التي تهمُّ الوطن والمواطن، ولا يتهاون أو يتقاعص عن ذلك، فلا نُريد محاباة أو نظرات قبليَّة ضيقة في الاختيار، علينا أن نرتفع إلى مستوى المسؤولية، فهذه أمانة في عنق كل شخص يؤدي واجب الترشيح في الانتخابات.. الآن يجب أن نُنحِّي جانبًا التعصُّبات المختلفة، وننحاز فقط للكفاءة والقدرة.