تفجيرات غزة والحاجة إلى قيادة تاريخية عربية

 

عبيدلي العبيدلي

كما تناقلت وسائل الإعلام، التقليدية منها والإلكترونية، "أطلقت حركة حماس عملية أمنية واسعة في قطاع غزة لاعتقال متشددين مقربين من تنظيم الدولة الإسلامية بعد مقتل ثلاثة من عناصرها في انفجارات استهدفت حواجز أمنية... وقالت مصادر أمنية في غزة إن انتحاريين هاجما نقطتي تفتيش أمنيتين في القطاع فقتلا ثلاثة من رجال الأمن. وتم نشر المئات من رجال أمن حماس في دوريات على الطرق الرئيسية. وأكدت حماس في بيان أنها تمكنت من وضع أصابعها على الخيوط الأولى لتفاصيل ما وصفته "بالجريمة النكراء ومنفذيها".

وكما نقلت وسائل الإعلام تلك أيضا "نفت إسرائيل مسؤوليتها عن الانفجارات التي استهدفت حواجز حماس الأمنية بدراجات نارية، لكن الحركة اتهمت في بيانها إسرائيل وعملاءها لأنهم يعملون بشكل دائم على ضرب حالة الأمن والاستقرار في غزة، ويستخدمون في ذلك أساليبَ شتى. وعلق الجيش الإسرائيلي على الانفجار الثاني بأنه لم يقم بأي غارة جوية على غزة... (وجاء) في بيان وزارة الداخلية الفلسطينية الأيدي الآثمة (دون تحديد الجهة التي تنتمي لها مثل تلك الأيدي) التي ارتكبت هذه الجريمة لن تفلت من العقاب، وستطال يد العدالة هذه الشرذمة المأجورة (من هي هذه الشرذمة؟)، التي حاولت العبث بحالة الاستقرار الأمني، واستهدفت أرواح أبطال الشرطة والأجهزة الأمنية"

تثير مثل هذه العمليات، وردود فعل المتناقضة التي عبرت عنها تصريحات الأطراف ذات العلاقة بها، وعلى وجه التحديد حماس، والكيان الصهيوني، مجموعة من الهواجس الممزوجة بالتساؤلات حول مسار الصراع العربي الصهيوني، يتقدمها خطورة العملية في حد ذاتها، للأسباب التالية:

  1. سخونة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، والتصعيدات العسكرية والسياسية التي ترافقها، والتي توحي بشقيها العسكري والسياسي، أن سيناريو "صفقة القرن"، يسارع من خطواته، التي تحاول، في الوقت ذاته وبشكل ممنهج، إضعاف الطرف الفلسطيني، وزيادة وزن كفة العدو الصهيوني قبل وضع اللمسات الأخيرة على ذلك السيناريو، كي يأتي تقسيم الحصص متناسبا مع وزن كل كفة.
  2. ضعف الطرف العربي، بما فيه العنصر الفلسطيني، بسبب الصراعات الداخلية العربية الممتدة من المغرب حتى اليمن، بين البلدان العربية بعضها البعض من جهة، وداخل كل قطر منها على حدة من جهة ثانية، وما يفرضه ذلك الضعف من تقلص حصة هذا الطرف الضعيف في أية تسوية، أو حتى تصعيد يسبق تلك التسوية المقبلة للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
  3. المكاسب التي تحققها طهران لتحقيق مشروعها التوسعي/ التسلطي على المنطقة والسيطرة على مسارات النتائج التي ستحكم العلاقات فيما بين الأطراف المختلفة ذات العلاقة بالأوضاع فيها، إقليمية كانت تلك الأطراف أم دولية. ويخطئ من يحاول، تحت أي من المبررات، تقزيمه او وضعه في أسفل قائمة التناقضات.
  4. خلط الأوراق غير المنظم الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، والعائد أساسا، إلى تغيير موازين القوى بشكل غير معهود، جراء التحولات التي عرفتها الساحة الدولية في أعقاب الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ووصول رئيس أمريكي مثل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جانب، والتحولات في سياسات موسكو من جانب أخر، كل ذلك بالإضافة إلى دخول الصين، وبالحيز الذي باتت تحتله في خارطة العلاقات الدولية، وفي القلب منها مصير الشرق الأوسط.

هذه الصورة الشرق أوسطية، ترجعنا إلى المربع الأول فوق رقعة شطرنج التفجيرات الأخيرة، من أجل تحديد تداعياتها المحتملة في ضوء تنصل الكيان الصهيوني من جانب، وفلسطينية التنفيذ من جانب آخر.

أول تلك التداعيات المحتملة، وأشدها خطورة هو انتقال الصدامات، التي ربما تتصاعد كي تصل إلى صدامات مسلحة، إلى داخل البيت الفلسطيني. فالنفي الصهيوني والتنصل من المسؤولية، والإجراءات الأمنية التي بادرت إلى اتخاذها حماس، تشيران إلى احتمال ذلك الانتقال.

وما أن تصل نيران العملية إلى جدران البيت الفلسطيني، سوف نجدها، وهو ما أثبته تاريخ القضية الفلسطينية، تنتشر، بسرعة، وفي وقت قصير، كي تصل إلى جدران البيوت العربية. لن تكون القضية المحورية هنا من يملك بين يديه الحق، أو من يحاول أن يتحاشى الباطل، فالمحصلة النهائية ستكون اتساع مساحة الشرخ العربي أفقيا، وازدياد عمقه عموديا. وسنجد أنفسنا أمام انقسام عربي عميق بحاجة إلى جهود مكثفة لدرء تداعياته، ووقف نزيفه. وهو ما يعود بنا إلى ما يعرف بمرحلة "كامب ديفيد" التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات، عندما انقسم العرب عموديا بين جبهتي "الرفض" و"الموافقة".

ستضع تلك العمليات، بغض النظر عن نوايا من يقف وراءها، أو قام بتنفيذها، أصحاب القرار العربي أمام خيارات صعبة، ومفترق طرق خطيرة ووعرة. تقود كل منها نحو نهايات، تبدأ من انتشال الوضع العربي مما هو فيه من تشظي وتمزق، لكنها أيضا، وعند سلك أي من الطرق المتاحة، تكون قادرة على أن تضع بين يدي الفريق العربي في أية مفاوضات مقبلة الأوراق القوية التي تساعده على عدم التفريط في أي من الحقوق العربية المغتصبة، وفي مقدمتها تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، أو قيادته نحو طريق أخرى، قد تؤدي إلى المهالك، بمعيار الحلول السياسية المطروحة على طاولة الصراع الشرق أوسطي المحتدم اليوم.

الوصول مثل إلى مثل هذه الحالة من القدرة العربية، بقدر ما هي لا تستغني عن الاستراتيجيات والمخططات اللازمة، بالقدر ذاته هي في أمس الحاجة إلى قيادة سياسية، تمتلك من الرؤية، والجرأة الكافيتين اللتين تستخدمهما للخروج بذلك الفريق من حالة الخنوع التي ما يزال تئن تحت أثقالها تلك القيادة، إلى فضاء هامش الاستقلال الواسع الذي يضع بين يدي الفريق العربي الأوراق القوية التي يغير بواسطتها من موازين القوى فوق مسرح الصراع العرب – الصهيوني، وفي صلبه الشق الفلسطيني منه.

الحاجة ماسة إلى قيادة تاريخية عربية تقرأ الواقع العربي بعين صائبة، وتقوده عبر طرق سالمة نحو أهداف طالما تاق المواطن العربي إلى رؤيتها تنتقل من أوراق المؤتمرات واللقاءات العربية إلى أرض الصراع الحقيقية.