من وراء شمس العيد

 

مسعود الحمداني

 (1)

مرّ عيد الأضحى بأيامه ولياليه، وأحلامه وآماله وآلامه، مرّ على أناس بفرحته وأنسه، وعلى آخرين بترحه وحزنه، دولٌ احتفلت به على قرع طبول الفرح، وأخرى على قرع طبول الحرب، بينما تساوت الأيام ونهاراتها ولياليها على أقوام آخرين حيث لا عيد يأتي، ولا حزن يذهب، بعيدا عن أوطانهم، قريبين من الموت، ومعتادين على السواد.. لا عيد يواسيهم، ولا أصدقاء إلا أصدقاء الهم والأسى، وزملاء المعاناة.

فلهم الله.

(2)

ذبح المسلمون في شهر الأضحى الآف الأطنان من اللحوم، أكلوا بعضها، وألقوا بأكثرها في القمامة، وذبح الحجاج أضحياتهم، ورُمي بمعظمها في مكب البلدية، بينما بالقرب منهم ملايين المسلمين يتضورون جوعا، لا يلقون ما يسد رمقهم، ولا ما يروي عطشهم، فغابت واحدة من أهم مظاهر تآلف وتكاتف المؤمنين، حتى أصبح الحج مجرد فريضة تُقضى، وشعائر تُقام، بينما غابت روح هذه المناسك بعيدا عن أصحابها.

(3)

اليوم يعود الموظفون إلى مكاتبهم بعد واحدة من أطول الإجازات في السنوات الأخيرة، تسعة أيام كفيلة بقشع غبار النفس، وإعادة تجديد النشاط، والعمل بجد واجتهاد لإنجاز معاملات المواطنين، وتخليص مراجعاتهم، غير أنّ المنطق يقول: إن ما لم تهذبه الأعوام، ولم تطبّعه الأيام، لن تنفع معه إجازة أو نقاهة.. وأعتقد أنّ دروسا في علم النفس والاجتماع والتواصل العام أصبحت ضرورية لكثير من الموظفين الذين يتعاملون مع المراجعين دون اكتراث أو اهتمام.. لعلّ هذه البرامج والدروس تغيّر شيئا من واقع البعض.. أقول "لعلّ وعسى".

(4)

رحلوا عن عوالمنا مبكرا، أخذوا معهم الفرح، وذهبوا إلى السماء كالنجوم، زرعوا شجنهم في نفوسنا، وتركوا حنينهم في قلوبنا، رحلوا دون أن يتركوا وراءهم متسعا من الحياة كي نرد جميلهم، أو نمنحهم بعض ما منحونا، تركونا في عز احتياجنا لهم، نحن الذين لم تترك لنا مشاغل الحياة فرصة لنعيد لهم هداياهم.. فشكرا لهم بحجم السماء، لقد كانوا نِعم الآباء والأمهات والأهل والأصدقاء.

رحم الله أمواتنا وأموات المسلمين، وجمعنا وإيّاهم في الفردوس الأعلى.

(5)

فليشمّر الآباء والأمهات عن سواعد البذل والصرف، فالعيد انقضى بتفاصيله، واحتياجاته، وها هي المدرسة على الأبواب تكشر عن أنياب الطلبات، والمستلزمات، ولأنّ المدرسة لا ترحم فهي بحاجة إلى جيوب منفوخة، في ظل رواتب منهكة، وأسعار مرتفعة، لذا فإنّ على الأسر البسيطة أن تصبر إلى حين تتحسن الأحوال، وتترتب الأمور، ويرتفع النفط، وتزيد الرواتب، ويتساوى الموظفون في الأجور والحوافز، ومعاشات التقاعد..

لعل الله يقضي من بعد صبرٍ أمرا.

(6)

رغم كل شيء يبقى العيد رمزا للأمل والتفاؤل للمستقبل، فهو الفُرجة التي تنفتح على فرحة مخبأة بين جدران الزمان، يأتي بها الله وإن طال انتظارها، فهبوا للعيد ابتسامة كبيرة، وأعطوه ما يستحق، ولوّنوه بما يليق، فهو المناسبة الوحيدة التي تذكّرنا بأنّ وراء الغيوم السوداء شمس ستشرق ذات يوم سعادة وفرحا- ولو بعد حين-.

وكل عام وأنتم العيد لمن تحبون، وقناديل السعادة لمن حولكم.

Samawat2004@live.com