عبد الله العليان
من خلال المتابعة للكثير من المغرِّدين في الفضاء الإعلامي المفتوح على الإنترنت، نجد البعض ينتقدون ويهاجمون ويكذبون، بعيدًا عن المصداقية والنزاهة والإنصاف، وقد يستهدفون أشخاصا، ومؤسسات ودولا، لأهداف وسياسات، قد تكون موجهة من جهات أخرى، وتوجهات فكرية، أو سياسية، وقد لا تكون كذلك.
وهذه من القلوب المريضة التي تربَّت على الغل والكراهية والإساءة للآخرين، حتى يُشبع نزواته فيما يقوله -سواء من لذاته أو من غيره- لذلك فهؤلاء لا يمنعهم دين، أو خلق عن بث الأكاذيب والافتراءات، دون أن يكون له حتى نسبة 1% بالمائة من الصحة، فمنذ عدة أسابيع قليلة، نقل لي أحد الأصدقاء، مجموعة من التغريدات للكاتب والسياسي اليمني المنشق علي البخيتي، وهو الذي كان أحد ممثلي جماعة أنصار الله في الحوار الوطني في بداية الأزمة ثم خرج عنهم- كما يُقال- بعد استقالة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وبغضِّ النظر عن تقلبات البخيتي، وتحولاته السياسية مع هذا وذاك منذ 2015، من فرقاء اليمنيين، إلا أنَّ الرجل لا ينضبط في تصريحاته، وفي مقابلاته، وفي انتقاده؛ سواء كان مؤيداً للشرعية، أو كان معارضاً لجماعة أنصار الله، وكونه مؤيدا للتحالف، فالرجل في قفزاته وتنقلاته يُوحي للمتابع وكأنه يقوم بأدوار متعددة الأغراض والأهداف، لا تعرف تحديدها من كثرة التقلبات مع أطراف الأزمة اليمنية!
وجاء في هذه التغريدات، اتهامات للسلطنة بأنها منحازة للحوثيين، وتعمَّد تكريس الأكاذيب والافتراءات. والحقيقة أن هذا الرجل للأسف في أكاذيبه زاد على الحد المعقول، لذلك فإننا نحمد الله تعالى أن زيادته في الاتهامات على السلطنة، كشفت كذبه وافتراءاته، وكعادته عندما يتحدث في بعض القنوات الفضائية، وفي الفضاء المفتوح، وهي الطريقة السفسطائية في العصر اليوناني: "الدفاع عن الحجة ونقيضها"، بل زاد البخيتي عن الحد المعقول، وتجاوز الفلسفة السفسطائية وتناقضاتها وضحالتها.
وهذه ليست أول مرة أن تُقحم السلطنة في الأزمة اليمنية، ووصمها بالافتراءات بأنها طرفٌ خفي في هذه الحرب! فمن قبل كتب أحد الخليجيين، في أحد المواقع الإلكترونية، وتحديدا عام 2016، أن أسلحة تأتي من إيران، ويتم تجميعها في مطار صلالة، ثم ترسل بالشاحنات للحوثيين؟!! وفي العام 2018، قال أحدهم من الدولة نفسها: "(بشرى سارة)، لقد قبض التحالف على ضابطاً إيرانيًّا، جاء في طائرة عُمانية، بمطار الحُديدة"، فقلت له معلقّاً على هذه التغريدة: "إن هذا الخبر ليس صحيحاً، ولا يمكن أن يحدث هذا من عُمان، وأضفتُ: لعلمك أنا من محافظة ظفار العُمانية، التي يقع بها مطار صلالة، واثنان من الأقارب يعملان بهذا المطار، وهذا القول عار من الصحة، ولا يمكن أن يحصل، وإذا صح هذا الخبر، فعليكم أن تُظهروا هذا الضابط الإيراني أمام شاشات التليفزيون، ويتحدث عن وصوله في هذه الطائرة؟"، وانتظرتُ أسبوعا، ثم أرسلت له رسالة استفساراً عن قصة الطائرة والضابط، ولم يرد حتى الآن ولله العاقبة! ثم خدم هذه الأكاذيب والافتراءات، راجح با كريت محافظ المهرة، الذي دافع عن عُمان في إحدى قوات التحالف قبل أشهر، ثم انقلب على دفاعه وتراجع عما قاله!!
وبغضِّ النظر عما قاله، سواء في الدفاع، أو الاتهام، تظل هذه الاتهامات، تحمل منطق تهافتها، فكل هذه الأقاويل تكشف أن البعض لا يعجبهم سياسة السلطنة الثابتة، في عدم الدخول في الصراعات والنزاعات الداخلية التي تحدث داخل البلد الواحد، تفادياً لزيادة الأحقاد والضغائن بين الشعوب، وما قاله هؤلاء عن تدخلاتها، يُبرز ضحالة منطقها وزيفها، فأمن عُمان من أمن جيرانها، ومن المستحيل أن تكون طرفاً يضر بجيرانها، واستقرارها مرهون باستقرارهم، وهذه مسألة إستراتيجية ثابتة في سياستها، لذلك ما يقوله علي البخيتي، من ناحية الترهات والأوهام من الأكاذيب، ليس جديداً أن تُتهم به السلطنة، لكن الفارق أن هذه المرة قال: "أن عُمان تدفع مبالغ للحوثيين"، وهذه جديدة، بعدما فشلت "حكايات الشاحنات" التي تشحن للحوثيين، لأن البخيتي يعرف أن أي سلاح يأتي عن حدود المهرة المتاخمة للسلطنة، لا يمر إلا عن طريق جنوب اليمن، والجنوب محكوم من الشرعية، مع وجود لقوات التحالف في كل المحافظات، فأين ستذهب الأسلحة للحوثيين؟!
صحيح أن السلطنة، لا تريد أن ترد رسميًّا على أقاويل أو مزاعم من هنا وهناك، سواء صحفية، أو إلكترونية، أو في الفضاء المفتوح، والتي هي كلها من أجل إثارة الخلاف وإذكاء التوترات، لا مصلحة لأحد فيها، والسلطنة لديها رصيد كبير من الوعي بهذه القضايا، لذلك تترفع عن النزول إلى مستويات الردح الذي يقوله البعض، سواء من علي البخيتي أو غيره، وترفضه العقول الواعية والثاقبة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.