عن ذواتنا نحكي

 

أماني المسكرية

 

"لم نكن نذهب إلى الكنيسة، ولكننا كنَّا نذهب إلى المكتبة"، هذا ما قاله الكاتب البريطاني جوليان بارنز الذي فاز بجائزة مان بوكر عام 2011، عن روايته "الإحساس بالنهاية". ومنذ سنوات عدة أوقعني القدر على طريق مُظلم سبب لي الكثير من الآلام والكثير من الفشل والكثير الكثير من الشروخ الغائرة بالذاكرة. ظننت يومها أنني لن أستطيع الخروج منه وإذا برسالة على هاتفي الجوال تفيد بأنّ صديقتي قد تعرضت لحادث، وعند وصولي للاطمئنان عليها أخبروني أنها بالمنزل وعندما وصلت وجدتها مُكفنة مجهزة للرحيل لمثواها الأخير. وكأن القدر أدخلني في طريق مظلم آخر تلقيت طعنة غدر أخرى بين زواياه؛ إذ إنَّ الصديق هو توأم الروح وأنا فقدت روحي الأخرى.

لقد استوطن الحزن قلبي زماناً، وظننت أنَّ قدري أن أركض من مصيبة إلى أخرى، فاتخذت من القرآن والدعاء وقراءة الكتب إضاءة لطريقي المُظلم وبعد فترة وجدتهم نعم الجليس ونعم الصديق.. بدأت بالكتب التوعوية للتطوير الذاتي إلى أن وصلت للقصص المُلهمة وكان آخرها كتاب الراهب الذي باع سيارته الفيراري.. فقد كانت قصته ملهمة جدًا للذي فقد روحه ويُريد استعادتها، وخرجت أقرأ الكتب بكل الأماكن الواسعة والخضراء البسيطة أسحب أنفاساً من الهواء الطلق للتحرر من قيود نفسي.. ويومًا ما رأيت في المنام جدتي المُتوفاة تطلب مني أن أنزل جرة عسل صافٍ معلقة في مكان غير واضح ولم تصل يدي إليها ثم أحضرها لي أناس غير واضحي المعالم، وعندما فتحتها سقطت منها أفعى كبيرة وأفرغت سماً بها وإذا بمجموعة دلاء مياه ضخمة تنظف هذا العسل فتجمعت الأوساخ عند عتبة الباب الخارجي لمنزلها حتى تحولت من كثرة الوسخ إلى مستنقع عفن، وجاءت امرأة من وسطه رمتني بضفادع في كل مكان بجسدي، وأنا أتألم وأخذت أركض نحو الدرج المُؤدي للسطح حتى وصلت حمامتان بيضاوان جلستا على كتفي اليمين وبعدها جاء صقر كبير قد سد السماء بضخامة جناحيه أخذني من يدي وطار بي محلقًا، واستيقظت فزعة وقلقة وفهمت منه أنني سأواجه طريقا مظلما آخر، وسوف يأتي الله بالفرج بعد معاناه ومشقة. أكملت بعدها أعاني بين النجاح والفشل حتى دلني الله إلى طريق من نور وجدت فيه الحمامتين والصقر كما رأيت في المنام، رأيتها متنكرة خلف كواليس قلم وهواية وقدرة، آمنت بها كرؤيا وغذيتها بالمعرفة ثم جعلتها وطناً ثم حميتها كأم، صحيح أنّي ما زلت في مواجهات شديدة إلى الآن لكن خرجت من المستنقع العفن الذي كنت فيه إلى طريق نور القراءة والمعرفة والإبداع وكان قراراً بإصرار مني على الخروج والوصول، والوصول الذي أقصده هو الوصول لمبتغاك الذي أردته من الحياة وتحقيق أحلامك وطموحاتك وتطوير نفسك.. بسيطة كانت أو ضخمة صعبة أو سهلة. هي أحلامك وأهدافك وليس لأحد التدخل بها أو الحكم عليها إلا ذاتك، مهما كان شكلك أو لونك أو أصولك فقيرا كنت أو غنيا أو من أين أتيت اصعد عاليًا لتحقيقها ولا تلتفت لأحد وعندما تصل سترى، إمبراطورية ذاتك.

كلنا نتشابه في حتمية الصعوبات التى تواجهنا وقد تكون صعوباتك وآلامك أكثر أو أقل، ولكنّا نختلف في قرارات الخروج منها بعبرة وصبر وتوكل، وأخيرًا سأهمس في أذنك قائلة لك وحدك: سيكون هناك العديد من الاعتراضات المسمومة والكثير من الحساد والشياطين المقنعين. والكثير والمرير من الفشل ولكنه الفشل المؤدي إلى النجاح الحقيقي إذ لا نجاح بدون فشل. هذا ما ستكتشفه من خلال قراءاتك للعديد من كتب الناجحين بالعالم. هذا ما ستعرفه من تجاربك بحياتك الحالية والقادمة، ليس هناك مقاييس ضمنية للنجاح غير نقاء وصفاء نواياك ثم التوكّل على الله، وعندما تصل لمستوى عالٍ من حسن التوكل والصفاء والعمل السري بينك وبين ربك مع الالتزام والاستمرار بتنفيذه بحب وإخلاص وثقة، سيُعطيك الله ما تتمناه، ستُمهد لك طرق، سيصلح الله لك ما أفسده المغرضون، سيُرشدك الله إلى الطيبين، وسيسخر لك الحامين المخلصين، وستتوقد قريحتك وذهنك، سترى في مناماتك توفيقا وفرحا، وستعرف السلام، وستعيش على أمل أن تتحقق وعود ربك، كذلك هي الطاعات يجلبن الخيرات، والدعاء يغير القضاء، والصبر ينتهي بالفرج، والفشل يجلب النجاح، وعود"ربانية ثوابا وجزاءً لسمو إنسانيتك.

  • من المندوس:

 

"قال له اقرأ.. قال له ما أنا بقارئ".

 

تعليق عبر الفيس بوك