تخطيط المدن والاستدامة

علي بن بدر البوسعيدي

في عصر التلوّث والاحتباس الحراري ومدن الأسمنت التي عرفها العالم بعد عصر الثورة الصناعية؛ لم يعد تخطيط المدن وتشييد العمران كما السابق أو خبط عشواء، فقد أصبح تخطيط المدن وإنشائها يتجاوز إنشاء المباني والشوارع وحتى مفهوم التشجير أو الإنارة بل أصبح علما وفنا يراعي معايير الجمال والذوق العام وسلامة البيئية وإعلاء مفاهيم الاستدامة؛ حفاظا على صحة الإنسان حتى يعمل وينتج، وتحسين بيئة أمنا الأرض.

وبرغم الحركة العمرانية التي شهدتها السلطنة والطفرة الواسعة ما زال التنسيق بين المباني والأزقة والحارات في بعض المناطق منعدما، وما زالت طرقنا الداخلية بحاجة إلى إعادة الترتيب واللمسة الإبداعية الكفيلة بمعالجة جوانب الجمال البصري والبيئة الحضرية الجاذبة. الأمر الذي يفرض علينا بذل مجهود أكبر يتطلب الاستعانة بأهل الخبرة والتخطيط والكفاءة، وتلافي ما وقع من أخطاء حتى نضمن عدم تكرارها في المخططات والمدن المزمع إنشاؤها مستقبلا والوصول لمرحلة الاستدامة التامة. ولا شك أنّ هذا المجهود لا يقع عبئه على البلديات ومسؤولي التخطيط فقط، بل يشارك فيه المواطن أيضا، بوصفه لاعبًا أساسيا في موضوع جمال المدن وتنسيقها عبر التقيد بالاشتراطات البيئية والهندسية وإعلاء قيم الاستدامة.

نحن في عمان بما نملك من سبل تطور وإرادة جبارة وكفاءات قادرون على أن ننال أرفع الجوائز والأوسمة في هذا المضمار؛ فقط علينا أن نضع الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولنا في مبنى دار الأوبرا السلطانية الفخم الراقي خير مثال، وكذلك مبنى وزارة الخارجية الذي فاز في عام 1986 بجائزة أفضل مشروع معماري عربي يحمل صفات الشخصية المعمارية العربية ‏الإسلامية، وأيضا مبنى سوق نزوى الذي فاز عام 1992 بجائزة أفضل مشروع معماري عربي على الطابع العربي الإسلامي التقليدي،‏ كما فاز مبنى بلدية مسقط بجائزة منظمة المدن العربية في عام 1995 كأفضل مشروع معماري عربي.

ما سبق ليس غريبا علينا بل هو إبداع متوارث، فقد اهتم أجدادنا بالعمران وجمالياته منذ عهد بعيد، وخير شاهد على ذلك القلاع والقصور الأثرية وأبراج الجبال، والتي تدل على براعة العمانيين في التخطيط والهندسة والمعمار.