بلادنا مباركة.. فلا مكان فيها للتشاؤم

د. عبدالله باحجاج

نلمسُ هذه البركة الربانية في كل شيء دون استثناء، في الإنسان والأرض والحجر والشجر والأودية والسهول والكهوف والهواء، وفي أية بقعة أو شبر من أرضنا حتى تلك التي لم تمْسَسها أقدام بشر حتى الآن؛ نجد كل حواسنا ومشاعرنا وعواطفنا تستقبل تجليات بركتها، وتُشعرنا بأنَّ أرواحنا قد ولدت فيها قبل أن تتلبس أجسادنا، وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن فضائل عمان وأهلها، تجعلنا نشعر بعُمق وطن الوجدانيات، وطن الروح الأولى، والجسد بتبعية الروح أولا وثانيا.

لأنها أرض حضارات، دينية وإنسانية، وشهادات رسولنا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- تدلِّل على الصفة المباركة المستدامة لبلادنا، وإحساسنا بها الآن مرتفع، وتجليات بركتها ينطق بها الجماد، ويستبشر بها البشر، ويتطلع الآن إلى انعكاساتها بصورة ملموسة على حياة المجتمع.

وصلت قناعتنا بهذه البركة إلى مستوى الأعماق والجذور التي لن ينتابنا بها أدنى شك، ولن يتمكَّن أي مُتشائم من أن يحول قناعتنا إلى الشك في انعكاس خيريتها على استدامة أوضاعنا المالية والاقتصادية، أو المساس باستقرارنا وأمننا، إلا إذا ما أسأنا تقديرها أو سوء إدارتها، ومنذ الآن سنُراهن على التفاؤل وحده وحصريًّا بعد أن انكشفت الخيرية الإضافية من رحم الأزمة النفطية.

وتظهرُ فوق السطح الكثير من العوامل والمعطيات التي تجعلنا نُؤمن بحتمية التفاؤل، ونؤمن بحتمية تجسيده واقعًا ملموسًا في معيشة المواطنين في الآجال القريبة، لعل أبرزها: الفائض في ميزانية الدولة البالغ تسعين مليونا خلال الخمسة أشهر الأولى من العام 2019، وقد أرجعته الحكومة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية وارتفاع أسعار النفط، في وقت تشير فيه كل التقارير إلى أنَّ هذا الارتفاع سيظل ملازما للمستقبل في ضوء التحديدات الجيوسياسية الإقليمية.

وتزامَن مع ذلك، تربُّع بلادنا على المرتبة الثانية عربيًّا في تصدير الغاز بعد غاز قطر، تاركة الإمارات والجزائر خلفها، والتاسعة عالميا، ويأتي كذلك بعد أن تعاظمت أهمية منطقة الدقم الاقتصادية في التوجهات العالمية الجديدة، مع الأهمية نفسها لبقية موانئ بلادنا المطلة على البحار المفتوحة، والبعيدة عن مناطق الصراع والتوترات في الخليج والممرات البحرية الأخرى.

وفي الوقت نفسه، يتوقَّع تقرير إيكونوميست البريطانية أن تُحقِّق السلطنة مستويات الإنتاج المستهدفة من النفط والغاز بحلول العام 2024 متجاوزة المستويات الحالية وهى مليون برميل يوميا من النفط ومكثفاته، و110 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي.

ومن تِلكم المعطيات كلها، تنبنِي الحتمية الثنائية المتقابلة للتفاؤل الذي نُلح عليه لتغيير السلبية التي اصطبغتْ بها مرحلتنا الماضية والحالية بسبب الأزمة النفطية والتي أسهمت في ترسيخها التقارير الخارجية المغرضة، وقد انكشفَ بعضُها، واتَّضحت خلفياتها الإقليمية، وأسهم فيها كذلك تبنِّي سياسة الحذر المشددة، واتجاهها نحو سياسيات مالية قاسية "ضرائب ورسوم ورفع مجانية الخدمات وزيادة رسومها.."؛ لذلك لا يمكن تجاهل تلكم التطورات الإيجابية، واعتبار وضعية البلاد المالية وكأنها لم تغادر مخاوف العام 2014 عندما انفجرت الأزمة النفطية، ووصلت أسعارها إلى ما دون الـ30 دولارًا للبرميل.

والأهم الآن: هل سيتغير شيء في سياسات الخناق المالي التي تُحاصر المنطقة الاجتماعية بعد أن أصبحت بلادنا -ولله الحمد والشكر- قابَ قوسين أو أدنى من قمة عرش خارطة الغاز العالمية؟ هذا التساؤل ننقُله من وجدانيات المواطنين فور سماعهم مثل تلكم الأنباء السارة من الخارج، وقد تعززت الوجدانيات الاجتماعية بعد نجاح سياستنا المالية في تحقيق الفائض المالي.

مما يعني أنه قد أصبح لدينا الآن من المصادر المالية المتعددة والمتنوعة، ما يجعل بلادنا تعيد النظر في سياسة الخناق، وتعمل على تحقيق أجندتها الإستراتيجية كتنويع مصادر الدخل بأريحية عالية، وبهدوء وثقة كاملتين دون ممارسة المزيد من الضغوطات المالية على المجتمع، فهو لن يتحملها أبدا.

فلنطلق أصوات التفاؤل بعد تلكم الإنجازات الكبرى، فالمرحلة مواتية للتفاؤل، وليس من المصلحة الوطنية تأجيلها، بل إن هذه المصلحة تستوجب تحقيق انفراجات في الكثير من المسارات التي تمس المجتمع، ومرحلتنا الوطنية في أمس الحاجة لمحو الكثير من مساحات التشاؤم المتغلغة في بنيات المجتمع المادية والمعنوية، ونحتاج الآن إلى نشر التفاؤل الموضوعي، لكي نخرج السيكولوجيات الاجتماعية من احتقاناتها المتعددة.

فما أحوجنا للتفاؤل الآن بعد أن ظهرت معطياته ومبرراته واضحة للعيان، ومكشوفة للمجتمع، وكلنا نتفاءل بالانعتاق من قبضة التشاؤم، كلنا تفاءل بأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة صناعة التفاؤل على انقاض التشاؤم؛ فلنستعد لهذه المرحلة التي نتمنَّى أن تكون قريبة، وأن لا يطول أمدها، وعلى كل نخبة أن تُعيد برمجتها لمرحلة التفاؤل، فهناك نُخب تفتقد لفن التعامل مع التفاؤل، وقد أصبح من كثرة إغراقهم في ممارسة التشاؤم يُصنفون كخبراء في فن التشاؤم، نتمنى أن لا تكون برمجة التشاؤم قد أصبحت صناعة مستحكمة في بنية تفكيرها ومكانيزماتها.

لن نقلق على بلادنا من مصادر رزقها، فكلُّ المراحل السلبية التي مرت بها من جراء الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، تعطينا هذا الاطمئنان، خاصة الأزمة النفطية الأخيرة التي زادت قناعاتنا بخيرية بلادنا، فمن رحمها -أي الأزمة- خرجت بلادنا بخيرات جديدة وطموحة أكثر من السابق في النفط والغاز والمعادن.. قبل أن نفعِّل خمس قطاعات اقتصادية يكمن النجاح فيها مسبقا، ونجاحها يرجع كونها من خيرات هذه الأرض المباركة، كالزراعة والأسماك والثروة الحيوانية والسياحة واللوجستيات. ومن هنا، نشعر بخيرية هذا الوطن في أنفسنا كتجلية من تجليات الأرض المباركة، كما أنَّ بلادنا تطل على مداخل الخليج العربي ومدخل المحيط الهندي، وتطل على الجانب الشرقي لمضيق هرمز، وقد أصبح هذا الموقع الجيواستراتيجي في حد ذاته مصدر دخل كافٍ للاقتصاديات الوطنية.

وداعًا للتشاؤم، ولا ينبغي لأية شخصية معنوية عامة أن تحمله فكرا أو ممارسة، فأرضنا المباركة تنطق بكل لغات العالم وحتى لهجاته بخيراتها المتدفقة القديمة والجديدة -وفق ما أوضحنا سلفا- سنظل ندافع عن التفاؤل في ضوء تلكم المؤشرات الكبيرة، وسيكون من حقنا أن نختلف مع أي متشائم، لعدة أسباب؛ منها: ما ذُكِر سابقا، والأخرى تتعلق بالسلبيات المترتبة على التشاؤم، فهو ينتج عنه الكثير من الأفكار السلبية المتراكمة التي قد تخرج المواطن عن إحساسه بتجليات أرضه المباركة والابتعاد عن نفعية خيراتها؛ فوداعا للتشاؤم في أرض الخيرات المباركة، وأهلا وسهلا بكل ما هو متفائل يطرد الأفكار السلبية، ويجعل المواطن يتطلع للمستقبل في بناء تطلعاته وأحلامه، اللهم نحمدك ونشكرك كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك على النعم الكثير التي أنعمت بها على بلادنا المباركة، ويقول الله جل في علاه: "ولئن شكرتم لأزيدنكم".. فبالشكر تزيد النعم.