مدرين المكتومية
عندما تنتمِي لقرية بسيطة تحُدُّك الجبال فيها من كل اتجاه، ويكون المتنفس الوحيد لك هي نافذتك التي تطل على بعض المناظر الجبلية التي لا تتجاوز أشجار "السدر" ومعابر الأودية، وربما منظر سقي الفلج، تنظر من النافذة نحو حلم بعيد يُراودك أن تعيش في العاصمة الكبيرة التي تتزاحم فيها البيوت ويعيش فيها من مختلف الأطياف التي لربما سمعتُ عنها الكثير، ولكن لم يُسعفك الوقت لزيارتها، أو أنك كنت عابرًا ليوم واحد تنبهرُ بالطرق والممرات والأبنية الشاهقة لتعود مرة أخرى نحو الحلم وتستيقط على صوت "الدِّيكة" صباحا، لترى الحقيقة أنك ما زلت تسكن بتلك القرية الصغيرة، بوجوهها المألوفة لك.
قرية محدودة لا يملك سكانها سوى "دكان" بسيط، وروايات متواترة عن السحر والسَّحرة، وكأن البطولات التي قاموا بها جميعها لا تتجاوز الهروب من الخوف، لكنهم يمتلكون آباء أقوياء يناشدونهم بالتسلح بالعلم، فهؤلاء الشباب يمتلكون قدرة فائقة على التفوق رغم بساطة العيش وضيق العالم بالنسبة لهم، كل ما يملكونه الكتاب ليجدوا أنفسهم بين الصفحات وبين كل النجاحات التي تحققت والاستثمارات التي تمت ومشاريع التنمية الضخمة ليسعُوا أيضا بما يمتلكونه من مهارة لأن يكونوا جزءا من هذا البناء وهذه الدولة العصرية التي قادها قائد آمن بشعبه، وآمن بأن عُمان ستنهض بسواعد أبنائها الأوفياء.
عندما تحدثتُ عن هذه الفئة البسيطة من جيل الشباب لأنني أمثلهم أيضا، أمثلهم في بداياتي الأولى التي كنت أرى فيها العاصمة جزءًا من الحلم، كنت أرى أن صناعة الذات والانخراط في مجال مختلف قد يعطيني الحق في التميز؛ لذلك كان الإعلام هو خياري الأول، على الرغم من أنني ما زلت أرى أنني في البدايات وهناك الكثير ممن سبقوني، لكنني على الأقل جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الذي أدينُ له بالكثير، فعندما تسافر خارج حدود الوطن تكتشف كم أنت ممتلئ بوطنك، وكم أنك تعيش بسلام وطمأنينة، وكم أنك تمتلك حياة استثنائية تتطلب الامتنان دائمًا، عندما تجد نفسك أمام غيرك من أبناء جيلك لا يجدون التعليم الكافي ولا يملكون مبلغًا لتذكرة سفر ليسافروا للبحث عن أنفسهم وتحقيق غاية من غايتهم، ولا يستطيعون أن يحلموا.. حتى الحلم بالنسبة لهم أعظم من أن يعيشوه، ستجد كم أنك مختلف وتعيش في بلد لم ينتظرك أن تطب بناء مدرسة بكافة التجهيزات الحديثة بقريتك الصغيرة التي لا يتجاوز مرتاديها الـ200 طالب، لكنها أتت إليك وحدها، إيمانًا من القائد بأنَّ العلم سلاح يجب أن يحصل عليه القريب والبعيد، الغني والبسيط؛ فهو حق الجميع وهؤلاء هم من سيبنون عمان، ويكملون مشوار من سبقوهم، فعندما تتساوى مع غيرك سوى كنت على الساحل أو بالصحراء وفي قمم الجبال وفي المدن الشاسعه، حينها يجب أن تدرك أنك تعيش في نعمة يحسدك الكثيرين عليها. وكل ما عليك فعله هو الدعاء الصادق لمن قاد عمان وجعلها دولة عصرية خلال 49 عاما من العطاء تزخر بالمنجزات، وتحقق التقدم في مختلف المجالات الحياتيه، فكل عام وعمان وأبنائها يعيشون بسلام تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- فشكرآ لك يا "قابوس الخير".