أيام في يزد.. مدينة التراث والتاريخ (1)

فايزة محمد

الطريق من شيراز إلى مدينة يزد في وسط إيران يستغرق ست ساعات تقريباً بالسيارة، رغم أنَّه قيل لنا إن المسافة تُقدر بأربع ساعات ونصف الساعة، ربما لأن السيارة التي كانت تقلنا تمشي بسرعة 100 كم فقط في الساعة وأحيانًا أقل، وفي الطريق إلى يزد مررنا بأهم تراث فارسي في إيران وهو تخت جمشيد، أو برسبوليس، وكان هذا الموقع عاصمة الدولة الأخمينية، وهو مسجل ضمن التراث العالمي لليونيسكو، ويبعد هذا المكان 70 كم شمال شرق مدينة شيراز، وكان المكان يعج بالسياح من داخل وخارج إيران، وفي هذا الموقع احتفل شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي سنة 1971م، بذكرى 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، وأقام احتفالا ضخما جدا حضره أكثر رؤساء وملوك دول العالم، ويُقال بأنَّ هذا الاحتفال الضخم كان أحد أسباب الثورة التي أطاحت بحكمه في سنة 1979.

كما مررنا في طريقنا بمخيم سياحي تابع لعشيرة القشقائيين التركية في مدينة سبيدان للغداء والتعرف على العادات والتقاليد العشائرية، وتحدثت طويلاً مع صاحبة المخيم أو التي تديره واسمها دورنة، واعطتنا نبذة مطولة عن عشيرة القشقائيين وأن سبب تأسيس هذا المخيم هو تعريف الناس بالعادات والتقاليد العشائرية.

وفي منتصف الطريق إلى يزد مررنا على مدينة اسمها "أبر كوه" ومعناها باللغة العربية الجبل المرتفع، والمدينة قديمة نوعاً ما وتشتهر بزراعة المشمش والرمان، وزرنا هناك حديقة صغيرة تضم – كما قيل لنا – شجرة عمرها أربعة آلاف سنة، قبل أن نأخذ استراحة قصيرة لشرب الشاي في مدينة صفا شهر.

وصلنا إلى يزد في الساعة الثامنة مساءً تقريبًا، المدينة كانت في قمة نشاطها حيث كانت أسواقها تعج بالحركة، ورغم التعب والإرهاق فإنَّ جمال المدينة بعثت فينا روحًا جديدة من النشاط.

ومدينة يزد تُعتبر عاصمة محافظة يزد، وهي مدينة صحراوية، وتتميز بالتراث الثقافي العريق، وتعددية دينية تتمثل في وجود سكان من أتباع الديانة الزرادشتية ويهود، وكذلك تحتفظ بالمعابد الزرادشتية القديمة فضلاً عن المعالم الإسلامية مثل مسجد الجامع الكبير بالإضافة إلى معابد يهودية. وقد زرنا في هذه المدينة التاريخية بعض الآثار الزرادشتية مثل معبد (بير سبز) التاريخي في منطقة جك جك بمدينة أردكان (التابعة لمحافظة يزد)، ويبعد عن يزد مدة ساعة تقريباً ويقع على سفح جبل شديد الانحدار في وادٍ عميق، والصعود إلى المعبد فيه نوع من الصعوبة لوجوده في مكان مرتفع جداً، وقد سألت بعض الإيرانيين عن قصة هذا المعبد فقيل لي إن هذا المكان كان يوما ما ملجأً للسيدة "حيات بانو" بنت الملك الساساني يزدجرد، التي هربت إلى هناك بعد هزيمة الفرس في معركة القادسية أمام المسلمين، ولكنها اختفت بعد أن دخلت هذا الكهف. وعندما سألت عن إمكانية أن تكون القصة مجرد أسطورة قال لي أحد رجال الدين هناك إن المكان اكتسب القداسة بعد مدة من اختفاء بنت يزدجرد عندما رأى أحد الرعاة في منامه أنها طلبت منه بناء معبد هناك. وفي هذا المعبد توجد شجرة معمرة يعتقد الزرادشتيون أنها عصا «حيات بانو» وقد نبتت.

ويرجع سبب تسمية المنطقة التي يقع فيها المعبد بـ (جك جك) لصوت قطرات الماء المنبعثة من هناك، التي ترمز -حسب الأسطورة- لدموع حزن الجبل الذي بني عليه المعبد. وتنفرد "جك جك" كما قيل لي، -وأيضاً كما قرأت ذلك في بعض المصادر- بكونها النبع الوحيد الذي يتدفق في منطقة من قلب صحراء يزد ماء زلالا.

وقد جاءت زيارتنا للمعبد قبل يومين فقط من احتفال كبير يقيمه الزرادشتيون سنوياً في هذا المكان، ويأتون من مختلف دول العالم، اعتبارا من 24 يونيو من كل عام لمدة أربعة أيام، وعندما وصلنا هناك وجدنا كثيرا من العمال يزينون المكان لهذا الاحتفال، والغريب أن جميع العمال الذين صادفناهم كانوا مُسلمين.