الدقم .. بناء المستقبل

 

حمود بن علي الطوقي

عندما أعلنت السلطنة في عام ٢٠١١م، عن إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لم تكن الدقم قبل ذلك التاريخ منطقة معروفة على الخارطة الاقتصادية الدولية، أما اليوم وبعد مضي أكثر من ثمان سنوات يمكن القول وبكل فخر أنَّ هذه المنطقة العزيزة على قلوبنا كعُمانيين أصبح يُشار إليها بالبنان كمنطقة جاذبة للاستثمارات المحلية والعالمية.

شخصياً حرصت على زيارة الدقم كلما سنحت لي الفرصة وكنت شاهداً على تطور تلك المرحلة ورأيت عجلة التنمية تعمل بالدقم بشكل متسارع وأصبحت المنطقة كورشة عمل حيث عجلة التنمية في هذه المنطقة تدور لتسابق الزمن لتحقيق رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- بأن تكون الدقم المنطقة الأكثر جاذبية للاستثمارات ليس فقط في دول المنطقة بل على مستوى العالم، وما يُميزها عن غيرها من المناطق أنها تقع على مسار الملاحة الدولية وموقعها الاستراتيجي الذي يجعل منها أحد أفضل المواقع على مستوى العالم. اليوم الدقم أصبحت جاهزة لكافة متطلبات الاستثمار بل أصبحت الشركات العالمية تطرق الباب لتأتي إليها.

متابعتنا كصحفيين وإعلاميين للإنجازات التي تتحقق في الدقم مدعومة بالحقائق وذلك من خلال لقاءاتنا مع المسؤولين.

تحدثت مؤخرًا مع معالي يحيى بن سعيد الجابري رئيس مجلس إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم حول أبرز المشاريع المستقبلية التي نتطلع أن تكون رافدة للاقتصاد الوطني خلال المرحلة القادمة، فذكر لي أنَّه تمَّ خلال شهر مايو الماضي التوقيع على عقد تطوير وإنشاء مدينة جامعية تتضمن كلية خاصة ستبدأ بتدريس التخصصات ذات العلاقة بالمشاريع القائمة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم وسيتم خلال العام الجاري بمشيئة الله تعالى وضع حجر الأساس للمشروع الذي سيُقام على مساحة مليون متر مربع. كما قال معاليه إنَّ من أبرز المؤشرات على تطور المنطقة تزايد اتفاقيات حق الانتفاع والتطوير الموقعة مع المستثمرين، حيث شهدت الخمسة أشهر الأولى من هذا العام توقيع 40 اتفاقية حق انتفاع مع مُستثمرين من السلطنة والخارج من بينها اتفاقية حق انتفاع مع شركة ظفار للصناعات السمكية والغذائية لتشييد مصنع لتغليف وتعليب الأسماك وإنتاج زيت السمك، بالإضافة إلى عدد من المشروعات الأخرى التي شملت القطاعات الصناعية والسياحية والتجارية والخدمية والمشاريع التجارية السكنية.

حقيقة الأمر أنَّ عجلة التنمية في منطقة الدقم تسير وفق إطارها الزمني المخطط له رغم التحديات التي تواجه مشروع الدقم، وأن كل المؤشرات الاقتصادية مبشرة بالخير خاصة وأنَّ الهيئة التي تشرف على هذه المنطقة منحت أراضي شاسعة للمستثمرين، فضلاً عن تنوع جنسيات المستثمرين والتي تبلغ حوالي 20 جنسية من مختلف أنحاء العالم، يستثمرون ويرغبون أن تكون الدقم موطئ قدم لهم ولاستثماراتهم.

هذه المؤشرات تعتبر مهمة ومُرضية وحتمًا هذه الشركات العمانية والأجنبية ستساهم في توفير عدد كبير من الوظائف للعمانيين وستكون المنطقة جاذبة للمهارات والكفاءات العمانية، كما أنَّ المنطقة ستفتح المجال لإعطاء الفرصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمكينها من الحصول على العقود مع الشركات العملاقة والشركات الأجنبية لكي تنطلق من الدقم وتحقق النجاحات من خلال التشجيع والتحفيز التي ستقدم لهذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لكي تنطلق في تقديم خدماتها وتكون رافدًا من المنظومة الاقتصادية للدقم.

ما أريد توضيحه من خلال هذا المقال أننا قرأنا بعض المقالات والتغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكك في مكانة هذه المنطقة وتطورها، وكمُتابع أرى أنَّ هذه المقالات لا محل لها من الإعراب فهي تُغرد خارج السرب، أما الحقيقة فإنَّ جهود السلطنة ممثلة بهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم واضحة ويمكن أن نشير إلى المشاركة الإيجابية والنتائج التي تحققت لمشاركة وفد السلطنة في منتدى الحزام والطريق الذي أقيم في العاصمة الصينية بكين في الفترة من 25 وحتى 27 أبريل 2019، وقد تمت خلال الاجتماعات والمباحثات مع المسؤولين الصينيين الإشارة إلى أهمية دعم مشروع المدينة الصناعية الصينية بالدقم ووضع خطة عمل لاستكمال تنفيذ المشاريع الاستثمارية التي تعتزم شركة وان فانج تنفيذها بالمدينة والتي تقدر تكلفتها بحوالي 10.7 مليار دولار أمريكي.

وما يُثلج الصدر أنَّه تمَّ خلال المنتدى التوقيع على مذكرات تفاهم لتنفيذ 3 مشاريع جديدة في مجالات الصناعات السمكية والخفيفة. وهذا دليل على مكانة هذه المنطقة المتميزة. ومشاركة السلطنة في منتدى الحزام والطريق فتح المجال لتسويق منطقة الدقم كواجهة استثمارية هامة على مستوى العالم فقد عقد الوفد العُماني لقاء مع نينغ جي تشه نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين لتعزيز التعاون العملي بين الجانبين في إطار مبادرة الحزام والطريق، كما تطرقت المباحثات إلى دراسة إمكانية فتح بنك صيني في السلطنة والاستفادة من تقديم خدمات في القطاع المالي للشركات الصينية، والتعاون المالي بين البنك المركزي العماني والبنوك الصينية، وتعزيز التعاون بين صندوق الاحتياطي العام للدولة والمؤسسات المالية الصينية.

إنَّ البوصلة الاستثمارية لمنطقة الدقم تتجه نحو جعل الدقم أحد أهم المناطق الاستثمارية على مستوى العالم لتحقيق هذا الهدف تمضي قاطرة الدقم في السير وفق الخطط المرسومة في تنفيد مشاريع البنية الأساسية بالمنطقة منها الحزمة الرابعة لميناء الدقم والمتعلقة بالرصيف الحكومي والذي يعد أول رصيف متكامل يتم تنفيذه في الموانئ العمانية لخدمة الجهات الحكومية بطول 980 مترا، ويعتبر من أهم المرافق الأمنية بميناء الدقم وسيوفر الجاهزية لإدارة العمليات اللوجستية لهذه الجهات وتوفير الجانب الأمني للميناء والمنطقة بالكامل.

ومن جانب آخر فإنِّه يتم حاليًا استلام المواقع الجاهزة من الرصيف للتجارب وتسليمها إلى شركة ميناء الدقم بهدف عدم التأثير على العمليات الحالية بالميناء واستمرارها دون توقف فيما تستمر الشركة المنفذة للمشروع في عملها في المواقع وحسب المؤشرات من المواقع الأخرى، اكتمال العمل في الحزمة الثانية خلال النصف الأول من العام المقبل.

إنَّ الاستثمار في الدقم مُتعدد المشارب فهناك الرصيف النفطي؛ حيث تمَّ إنجاز عدد من مراحل العمل في المشروع خلال العام الجاري ونظراً للإقبال الكبير الذي يشهده الميناء أقرت المنطقة خطة طموحة لتمديد الرصيف النفطي ليفي بمتطلبات الشركات النفطية الجديدة الراغبة بالاستثمار في الدقم مثل شركة شل العالمية وشركة أوكسيدنتال وشركة أوكسيا التي يقع مقرها في مدينة هيوستن الأمريكية.

كذلك زيادة عمق ميناء الصيد من 6 أمتار إلى 10 أمتار بهدف تهيئة الميناء لاستقطاب سفن الصيد الكبيرة التي تعمل في أعالي البحار وزيادة القيمة الاقتصادية للميناء الذي سيكون مركزا رئيسيا للصناعات السمكية بالسلطنة والمنطقة.

الحديث عن المنطقة الاقتصادية بالدقم حديث شيق خاصة عندما نتحدث عن الإنجازات والجهود المبذولة في تطوير البنية الأساسية للمنطقة وسيتم التوقيع على 7 اتفاقيات لتعزيز البنية الأساسية للمنطقة.

وأذكر أنني شاركت في وضع الحجر الأساسي لانطلاق الأعمال الإنشائية لمصفاة الدقم، والعمل يجري حالياً في المحطة المتكاملة للكهرباء والمياه، والتشغيل التجاري لمصفاة إنتاج حامض السيباسك، فيما سيتم خلال الفترة المقبلة انطلاق الأعمال الإنشائية لمصنع تجميع الحافلات الذي يُقام باستثمارات من شركة كروة القطرية والصندوق العماني للاستثمار، بالإضافة إلى العديد من المشاريع الأخرى ذات القيمة المُضافة للاقتصاد الوطني.