"فايننشال تايمز": أمريكا غير مستعدة لخوض "حرب باردة جديدة"

مقال مترجم بقلم جنان غانيش كاتب عمود ومحرر في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية

ترجمة- رنا عبد الحكيم

يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومن حوله الآن لخوض مواجهة مع الصين بهدف السيطرة على العالم. وهناك موافقة- أو حتى حماسًا- من الجهات الأخرى في المؤسسات الأمريكية تشجع على هذه المواجهة.

والوسائل المستخدمة في تلك المواجهة معروفة مثل الرسوم الجمركية والعقوبات والحظر فهي حرب بلا بارود على الرغم من التسليح القوي الذي تتمتع به الدولتين ووجود إمكانية المناوشات بالوكالة في دول أخرى. ويمكن توقع الخطوط العريضة للسنوات الخمسين المقبلة وهناك الكثير من النقاط التي تجعل من السهل وصف ما يحدث بأننا على أعتاب حرب باردة جديدة.

وإذا كان هناك صراع دائم مع الصين فسيتعين على الأمريكيين- الذين يمكنهم التصويت لصالح شيء آخر متى أرادوا- الموافقة على هذا الصراع، وهذا يعني قبولا علينا ومفتوحا للاضطرابات الاقتصادية وزيادة الإنفاق العسكري، وتفاقم العبء النفسي الهائل للنزاعات على المواطن الأمريكي، مع لحظات قد تكون شديدة الخطورة، والأهم من ذلك كله اتباع سياسات النفس الطويل. وحتى لو لم يحدث هذا التقبل فيمكن حشد الدعم الشعبي لذلك. لكن اعتبار الدعم الشعبي أمرا مفروغا منه أو حتى عدم أخذه بعني الاعتبار كما لو كان النزاع عبارة عن جدل بين حكومتين، فإن ذلك أمر غير صحيح.

فعندما دخلت الولايات المتحدة في صراعها الطويل مع السوفييت، كان هناك شبه إجماع على تأييد واحترام الحكومة الأمريكية. وفي أواخر عام 1964، قال 77% من الأمريكيين إنهم يثقون في واشنطن معظم الوقت أو كله. وتم تجنيد الأمريكيين في زمن السلم، وفي الحرب الكورية أيضا دون التخفيف من حدة التوتر. وكان المواطنون يتحملون معدلات ضرائب عالية ولم تكن الحزبية واضحة كما هو الحال الآن.

لا شك أن صاحب ذلك العديد من المشاكل، فقد انتشرت في ذلك الوقت الثقافة المضادة وأثارت إساءة معاملة الأمريكيين السود القلق بشكل متزايد. لكن بخلاف ذلك كانت الموارد الثقافية متاحة لشن منافسة غير محدودة ضد قوة أجنبية. ولم تُجهد الطبقة الحاكمة نفسها لإقناع المواطنين بضرورة المواجهة والصعوبات المصاحبة لها.

وفي شهر مارس من العام الجاري، قال 17% من الأمريكيين إنهم يثقون في الإدارة الأمريكية معظم الوقت أو كله. أما بالنسبة للوحدة الحزبية فهناك عدم اتفاق على الكثير من القضايا.

إن قياس تسامح المواطنين مع الضغوط الاقتصادية أمر صعب، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن جمهور الأمريكيين ينقسم حول الرسوم الجمركية، وعلى الأغلب تتجه الآراء ضدها.

ولذا يتعين على الولايات المتحدة أن تكون أكثر حرصا الآن، فهي ليست نفس الدولة التي دخلت في صراع مفتوح مع الشيوعية منذ زمن بعيد. والنقطة الأهم لا تتمثل في افتقار الولايات المتحدة للعناصر اللازمة لخوض المعركة، لكن حاجتها لإعادة التفكير في جدوى دخولها تلك المعركة في المقام الأول. فالطبقة الحاكمة حاليا تظهر أنه لا مفر من المواجهة  مع الصين التي لا تشكل تهديدا تقليديا للوطن، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يرى الأمريكيون ذلك؟

تعليق عبر الفيس بوك