العقلية الحكومية الذكية

 

 

خلفان الطوقي

تتكالب الظروف والتحديات الاقتصادية على الدولة والمؤسسات والأفراد داخليا وخارجيا محليا وعالميا منذ العام 2015 إلى الآن؛ فعلى المستوى العالمي، يُوجد تحدِّي تباطؤ النمو الاقتصادي في الأسواق الكبرى، إضافة إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتبعها منذ فترة قصيرة تعاظم التوتر بين أمريكا وإيران.

أمَّا على المستوى الداخلي، تذبذب أسعار النفط التي بدورها غيَّرت السياسات المالية المتبعة في السلطنة من رفع رسوم الخدمات والتراخيص الحكومية على الأفراد والمؤسسات التجارية، ورفع الدعم عن النفط ومشتقاته واتباع السياسات التقشفية، وتأجيل بعض المشاريع الحكومية وتخفيض ميزانيات الوحدات الحكومية وشبه الحكومية بنسب متفاوتة، ومن أمس تمَّ تطبيق الضريبة الانتقائية على مشروبات الطاقة والحكول والتبغ وبعض الأطعمة، وعند كل لقاء أو حديث أو تعامل مع أحد أو قراءة مقال أو مداخلة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ستجد المصطلحات الاقتصادية حاضرة وبقوة، والتي لم تكن حاضرة قبل ذلك.

التغيرات الجوهرية في الوضع الاقتصادي أثرت بشكل او آخر بدرجة متفاوتة على الفرد والمؤسسة التجارية والوحدة الحكومية والمجتمع، وتلاحَظ هذا الأثر في الأحاديث أو التفكير أو السلوك أو القرارات المتخذة، ولكن وكما يقال "هناك فرص تولد أثناء الأزمات"، فالأزمة الاقتصادية الحاصلة الآن يُمكن أن توصلنا إلى تطبيق مبدأ "الحاجة أم الاختراع"، وتغير الأولويات الحكومية، وتصحيح بعض المسلمات أو الأنظمة أو ثقافة المؤسسة الحكومية المتبعة أو الصورة الذهنية التي كُنا نتبعها أو نطبقها أو نسمع عنها كالبيروقراطية في المعاملات الحكومية، أو أنَّ الكثيرَ من الموظفين الحكوميين هم غير مُنتجين بما فيه الكفاية، أو أنَّ الصلاحيات صغيرها وكبيرها -الشاردة والواردة- بيد شخصية واحدة هو الوزير أو رئيس الوحدة، أو المعمعة التي لا تنتهي عند السعي للحصول على بعض التراخيص الحكومية لمزاولة بعض الأنشطة التجارية، والكثير مِمَّا يتردد هنا وهناك كتحديات التوظيف أو استقدام العمالة من خارج السلطنة والرقابة على نسبهم وغيرها من تحديات.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يُمكننا في ظل هذه الأزمة الاقتصادية التي ربما يمكن أن تطول بسبب المستجدات والتوترات الحاصلة في المنطقة والانتقال من حالة "الاستسلام" وتسليم رقابنا إلى ظروف أسعار النفط، والتحول إلى حالة "مواجهة" الظروف وتحويل "الأزمة" إلى "فرص" للمستقبل؟ ألا يمكن لمجلس الوزراء الموقر أن يلزم كل جهة حكومية بأن تُسهل الإجراءات للمتعاملين معها من أفراد ومؤسسات تجارية وتوسعة الصلاحيات لمن دون الوزير أو الوكيل أو المدير العام، على أن يُحاسب من يتجاوز الخطوط العريضة المحدَّدة سلفا واستغلالها لشخصه؟ بمعنى تذليل المعاملات وإيجاد حلول مستدامة دون حاجة للذهاب إلى رئيس الوحدة للحصول على استثناء أو توقيع أو ختم؟ ألا يمكن لكل رئيس وحدة أن يعقد مؤتمرا صحفيا بداية كل عام، ويعلن عن خطته التنفيذية أمام وسائل الإعلام مدعومة بالأرقام والحقائق والميزانيات المالية والخطط التنفيذية؟ ألا يمكن أن يُطلب من كل موظف أو موظفة أن ينهي عددًا من المعاملات أو المشاريع حسب طبيعة عمله، ويُثاب إن أنجز، ويحاسب إن أخفق، وأن لا يوضع الاثنان في نفس الخانة، ويكون التقييم مبنيًّا على الأرقام وليس المشاعر؟

ألا يمكن للأزمة أو الظروف الاقتصادية التي نمرُّ بها أن تنتج حركة "تصحيحية" تجعل من المؤسسة الحكومية والموظف الحكومي أكثر مبادرة وإنتاجا يغطي النقص التمويلي لميزانية الدولة من تذبذب أسعار النفط؟ ألا يُمكن لمؤسساتنا الحكومية أن تضع أرقاما معلنة منذ بداية العام، كأن تعلن أنَّ هدفها هذا العام هو أن تزيد نسبة الاستثمار الخارجي المباشر بنسبة 7% من الأسواق الفلانية، والخطوات التنفيذية التي سوف تتبعها هي كذا وكذا؟

قِس على ذلك كافة المؤسسات الحكومية الخدمية؛ وبذلك تتحوَّل الحالة المجتمعية من السلبية إلى الإيجابية، وتحويل الوحدة الحكومية من "مستقبِلة" لردات الفعل إلى "مُبادِرة" وصانعة للأحداث، ومن تقليدية إلى حكومة ذكية تحوِّل المحن إلى "منح" تُدر فرصًا مستقبلية واعدة نافعة للبلاد والعباد.