"فايننشال تايمز": الشركات متعددة الجنسيات تتكبد ثمن "الحرب الباردة"

ترجمة- رنا عبد الحكيم

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في افتتاحيتها أن الشركات متعددة الجنسيات ستكون هي الخاسر الأكبر في الحرب الباردة المشتعلة بين أقوى اقتصادين في العالم؛ الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

فمنذ عامين عقد مجتمع الأعمال الأمريكي صفقة مع الرئيس دونالد ترامب تتضمن الحصول على تخفيضات ضريبية في مقابل دعمهم لإدارته. والآن حان الوقت لترامب ليفي بدوره في الصفقة. إلا أن حربه التجارية مع الصين تحولت إلى ما يبدو أنه انهيار خطير وربما دائم للعلاقات بين القوى العظمى في العالم. وتحولت الرسوم من جمركية إلى انتقامية، وتغيرت مسارات سلاسل التوريد. وفي خضم كل هذه التغيرات فإن الشركات متعددة الجنسيات -والتي كانت تعتبر أكبر المستفيدين الماليين من العولمة منذ الحرب العالمية الثانية- هي الخاسر الأكبر.

ويشكو قطاع الأعمال الأمريكي منذ عقود من سرقة الصين للملكية الفكرية وصعوبة الحصول على فرص متساوية للوصول إلى الأسواق هناك. وهي شكاوى مشروعة بطبيعة الحال. ومع ذلك عندما تزايد الضغط للمضي قدما فإن عددا قليلا من الشركات الأمريكية أبدى استعدادا للتحدث علنا عما اعتبروه شروطا تجارية غير عادلة خوفا من فقدان الوصول إلى السوق الصينية.

الآن أصبحت الشركات العالمية ومساهموها يتعرضون لضربة شديدة بسبب الحرب التجارية الخطيرة، واعتبرت "فايننشال تايمز" إن هذه الحرب صراع بدأه رئيس لا يميز سوى بين القليل من الشكاوى المشروعة المتعلقة بالتجارة مع الصين، وطرح مطالب غير منطقية مثل أن تغير بكين نظامها الاقتصادي بالكامل وأن تعيد كتابة قوانينها لتناسب الولايات المتحدة. وقالت الصحيفة إن ترامب على استعداد لمعاقبة ليس فقط الأعداء، لكن أيضا الحلفاء مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، بل وتحويل الرسوم إلى سلاح لاستخدامها في قضايا لا علاقة بها تماما مثل قضية الهجرة.

المفاجأة الوحيدة هي أن الرؤساء التنفيذين للشركات لم يتوقعوا كل هذا، فلم يعد هناك من يدعم التجارة الحرة داخل إدارة ترامب. وأصبح التوجه المعادي للعولمة الذي تتبناه شخصيات مثل المستشار الاقتصادي بيتر نافارو هو التوجه الرئيسي الآن، فهو وغيره من "الصقور" داخل الإدارة الأمريكية يريدون تعطيل الوضع الراهن.

ويعتقد "الصقور" داخل إدارة ترامب أن العالم يتجه نحو مستقبل ثنائي القطب، يتم فيه الفصل بين الولايات المتحدة والصين اقتصاديا وسياسيا لأسباب تتعلق بالأمن القومي. ولذا فهم يريدون تفكيك سلاسل التوريد وإعادة تموضع أمريكا لتكون جاهزة لعصر تحكمه شريعة الغاب ويسوده مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

وترى الصحيفة أنه في هذا العالم المتشعب، فإن الشركات متعددة الجنسيات تتحول إلى عدو مثلها مثل الصين، فهم من وجهة نظر إدارة ترامب "خونة للوطنية الاقتصادية" ويجب إجبارهم على اختيار جانب واحد ومؤامة أنفسهم وسلاسل التوريد الخاصة بهم مع جانب أو آخر.

ويأمل الرؤساء التنفيذيون الأمريكيون من الرئيس ترامب أن يعيد تنشيط سلاسل التوريد، لكن الكثيرين مازالوا يتجاهلون عن عمد رؤية التغيير الذي تود إدارة ترامب تنفيذه وهو عالم أقل انفتاحا وأفقر نسبيا.

وبدأ الجمهوريون أنفسهم متأخرين في الدخول في الحرب التجارية مع الرئيس، لكن مجتمع الأعمال لم يقف مكتوف الأيدي، إذ ينتقد بشكل جماعي نهج الرئيس تجاه الصين. ويواصل المديرون التنفيذيون آلية عملهم على أمل الحفاظ على فوائد التخفيضات الضريبية التي وضعها ترامب وإلغاء القيود التنظيمية دون إثارة غضب الرئيس على تويتر.

وبحسب الفايننشال تايمز، فإن الصقور من مساعدي ترامب يريدون عالما غير مستقر. وتتجاهل الشركات متعددة الجنسيات حقيقة أنها ستتضرر من هذه المعركة. وإذا لم يتقدموا الآن للتشكيك في مبدأ الإستراتيجية التجارية للإدارة الأمريكية فإنهم قد يعضون أصابع الندم في الأشهر المقبلة.

تعليق عبر الفيس بوك