"الكتاب الأبيض": التعاون الخيار الصحيح الوحيد لبكين وواشنطن

الصين تحذر: الحرب التجارية تدفع الاقتصاد العالمي للانزلاق في "فخ الركود"

 

 

◄ بكين: لدينا مساحة كافية لمناورات السياسة المالية والنقدية

◄ الصين قادرة على الاعتماد على الطلب الهائل من السوق المحلية

◄ الحرب التجارية تؤثر سلبا على النمو الاقتصادي في الأمريكي

◄ 10% تراجعا بالاستثمار الصيني المباشر في أمريكا بعد "قرار ترامب"

◄ الصادرات الأمريكية إلى الصين ساهمت في أكثر من 1.1 مليون وظيفة للأمريكيين

◄ 25% رسوما على الأثاث الصيني تكلف المستهلك الأمريكي 4.6 مليار دولار سنويًا

 

 

الرؤية- نجلاء عبدالعال

 

 

ما زال الكتاب الأبيض الذي أصدرته الصين يلقى تفاعلا قويا خاصة مع غياب ردود أمريكية بنفس التفصيل، بل إنّ عددا من وسائل الإعلام الأمريكية بدأت تناقش ما تضمنه الكتاب الأبيض خاصة ما يتعلق بالتأثيرات السلبية على الاقتصاد والمواطن الأمريكي والوظائف.

وأصدرت الصين تقريرا مفصلا لتقديم صورة شاملة للمشاورات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، وموقف سياسة الصين بشأنها. وبدأ الكتاب "الوثيقة" بنبرة هادئة رزينة أوضح فيها تفهما لوجود اختلافات بين الدولتين، وذهب أبعد من ذلك، وقال "من المحتم أن تشهد البلدان خلافات واحتكاكات في تعاونهما التجاري" موضحا أن تاريخ العلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة شهد العديد من النزاعات السابقة لكن من خلال تبني موقف عقلاني وتعاوني، تمكن البلدان من حلها.

 

 

 

وظهر الاتهام لإدارة ترامب ليس فقط في الحرب التجارية مع الصين بل مع العالم، حيث ذكر التقرير أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة منذ توليها السلطة في عام 2017 هددت بالتعريفات الجمركية وغيرها من التدابير وأثارت احتكاكات اقتصادية وتجارية متكررة مع شركائها التجاريين الرئيسيين، فيما كان موقف الصين ثابتًا وواضحًا وهو أن التعاون يخدم مصالح البلدين، وأن الصراع يمكن أن يضر بكليهما فقط، وأن هذا التعاون هو الخيار الصحيح الوحيد لكلا الجانبين.

الاحتكاك الاقتصادي

وأفرد الكتاب الأبيض الصيني جزءا للحديث عن تأثيرات ما سماه "الاحتكاك الاقتصادي والتجاري الذي تسببت فيه الولايات المتحدة"، مؤكدا أن هذه التأثيرات تلحق الضرر بمصالح كلا البلدين والعالم بأسره؛ مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية منذ تبنت شعار "أمريكا أولاً"، بدأت في فرض سلسلة من التدابير الأحادية والحمائية، وهي تمارس التعريفة الجمركية بانتظام باعتبارها "عصا كبيرة" وأجبرت البلدان الأخرى على قبول مطالبها. بدأت الولايات المتحدة تحقيقات متكررة بموجب المادتين 201 و 232 غير المستخدمة منذ فترة طويلة ضد شركائها التجاريين الرئيسيين، مما تسبب في تعطيل المشهد الاقتصادي والتجاري العالمي. استهدفت الصين بالتحديد، في أغسطس 2017، أطلقت تحقيقًا منفردًا بموجب المادة 301. وأغفلت الولايات المتحدة جهودها المتواصلة والتقدم الملحوظ في حماية الملكية الفكرية وتحسين بيئة الأعمال للمستثمرين الأجانب، وأصدرت عدد لا يحصى من الملاحظات السلبية والمائلة وفرضت تعريفة جمركية وقيود استثمارية إضافية على الصين، مما أثار احتكاكات اقتصادية وتجارية بين البلدين.

وقال التقرير إنّ الإجراءات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة تلحق الضرر بالآخرين ولا تفيد أمريكا نفسها، مؤكدا أنها إجراءات تعوق التعاون التجاري والاستثماري المتبادل وتقوض ثقة السوق والاستقرار الاقتصادي في البلدين وعلى مستوى العالم خاصة وأنه مع عدم وضوح التوقعات المتعلقة بالاحتكاك التجاري بين الصين والولايات المتحدة، خفضت منظمة التجارة العالمية توقعات نمو التجارة العالمية في عام 2019 من 3.7 في المئة إلى 2.6 في المئة.

وبالأرقام تناول الكتاب الأبيض التأثيرات على الاقتصاد الأمريكي حيث ذكر أن إجراءات التعريفة الجمركية الأمريكية تؤدي إلى انخفاض في حجم صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، والتي انخفضت بالفعل بنسبة 9.7 في المائة على أساس سنوي في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019، حيث انخفضت لمدة خمسة أشهر على التوالي. ووفقًا للإحصاءات الصينية، بلغ الاستثمار المباشر للشركات الصينية في الولايات المتحدة 5.79 مليار دولار أمريكي في عام 2018، بانخفاض قدره 10 في المائة على أساس سنوي، وفي عام 2018، بلغت الاستثمارات الأمريكية المدفوعة في الصين 2.69 مليار دولار أمريكي، بزيادة 1.5 في المائة فقط على أساس سنوي مقارنة بزيادة قدرها 11 في المائة في عام 2017.

 

أضرار جسيمة لأمريكا

وتحت عنوان "الحرب التجارية لم تجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" أوضح الكتاب أن إجراءات التعريفة لم تعزز النمو الاقتصادي الأمريكي. بل إنها وبدلاً من ذلك، تسببت في أضرار جسيمة للاقتصاد الأمريكي؛ أولاً، أدت تدابير التعريفة الجمركية إلى زيادة كبيرة في تكاليف الإنتاج للشركات الأمريكية، خاصة وأن قطاع التصنيع الصيني والأمريكي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على بعضهما البعض، كما يعتمد الكثير من المصنعين الأمريكيين على المواد الخام والسلع الوسيطة في الصين، ونظرًا لأنه من الصعب عليهم العثور على موردين بديلين جيدين على المدى القصير، فسيتعين عليهم تحمل تكاليف رفع التعريفة الجمركية.

ثانياً، تؤدي تدابير التعريفة إلى ارتفاع الأسعار المحلية في الولايات المتحدة، حيث يعد استيراد السلع الاستهلاكية ذات القيمة مقابل المال من الصين عاملاً رئيسيًا وراء انخفاض التضخم طويل الأجل في الولايات المتحدة، وبعد فرض التعريفة الجمركية الإضافية، ارتفع سعر البيع النهائي للمنتجات الصينية، تاركًا للمستهلكين الأمريكيين بشكل مباشر تحمل بعض تكاليف التعريفة الجمركية، ووفقًا للبحث الذي أجراه الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة، فإن الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمائة على الأثاث وحده ستكلف المستهلك الأمريكي 4.6 مليار دولار أمريكي سنويًا.

ثالثًا، تؤثر تدابير التعريفة على النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وعلى معيشة الناس. فقد أظهر تقرير مشترك لغرفة التجارة الأمريكية ومجموعة روديوم في مارس 2019، أنه تحت تأثير الاحتكاك الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة، يمكن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2019 والسنوات الأربع القادمة بمبلغ 64-91 مليار دولار أمريكي سنويًا، حوالي 0.3 - 0.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة. إذا فرضت الولايات المتحدة تعريفة بنسبة 25 في المائة على جميع السلع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة، فإن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سينخفض بمقدار 1 تريليون دولار في السنوات العشر القادمة بشكل تراكمي. وفقًا لتقرير بحثي صدر في فبراير 2019 بواسطة Trade Partnership، وهو مركز أبحاث أمريكي، إذا فرضت الولايات المتحدة تعريفة إضافية بنسبة 25 بالمائة على جميع السلع الصينية المستوردة، فإن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سينخفض بنسبة 1.01 بالمائة، مع فقدان 2.16 مليون وظيفة وعبء سنوي إضافي من 2.294 دولار أمريكي لعائلة مكونة من أربعة.

رابعاً، تؤدي تدابير التعريفة الجمركية إلى الحواجز أمام صادرات الولايات المتحدة إلى الصين. ذكر تقرير تصدير الدولة لعام 2019، الذي نشره مجلس الأعمال الأمريكي الصيني في 1 مايو 2019، أنه خلال السنوات العشر من 2009 إلى 2018، دعمت الصادرات الأمريكية إلى الصين أكثر من 1.1 مليون وظيفة. يواصل السوق الصيني أهميته بالنسبة للنمو الاقتصادي الأمريكي. قامت 48 ولاية في الولايات المتحدة بزيادة صادراتها من السلع إلى الصين خلال العقد الماضي، بينما في عام 2018 عندما تفاقم الاحتكاك الاقتصادي والتجاري، زادت 16 ولاية فقط صادراتها من السلع إلى الصين. وقامت 34 دولة بتصدير كمية أقل من البضائع إلى الصين، مع انخفاض 24 دولة منها.

وتضررت بشدة الولايات الزراعية في الغرب الأوسط الأمريكي. فبموجب تدابير التعريفة الجمركية، انخفضت صادرات المنتجات الزراعية الأمريكية إلى الصين بنسبة 33.1 في المائة على أساس سنوي، بما في ذلك انخفاض بنسبة 50 في المائة في فول الصويا. تشعر الشركات الأمريكية بالقلق من أنها قد تفقد السوق الصيني، الذي ظلت تزرعه منذ 40 عامًا تقريبًا.

 

فخ الركود

وشدد الكتاب على أن التدابير الأمريكية تهدد النمو الاقتصادي العالمي، ففي ظل استمرار الأزمة المالية العالمية في ظل الاقتصاد العالمي، صعدت حكومة الولايات المتحدة من الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية ورفعت تعريفات إضافية، مما أثار تدابير مماثلة من جانب البلدان المعنية. هذا يعطل النظام الاقتصادي والتجاري العالمي، ويحد من الانتعاش الاقتصادي العالمي، ويقوض تطور الشركات ورفاه الناس في جميع البلدان، ويدخل الاقتصاد العالمي في "فخ الركود". كما أن الزيادات في التعريفة الجمركية الأمريكية ستضر بجميع الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل مع الشركات الصينية، كما تؤدي تدابير التعريفة الجمركية إلى رفع تكاليف سلاسل التوريد بشكل مصطنع وتقويض استقرارها وأمنها، ونتيجة لذلك، تضطر بعض الشركات إلى تعديل سلاسل التوريد العالمية الخاصة بها على حساب التخصيص الأمثل للموارد.

ولتبرئة نفسها سردت الصين في كتابها ما قالت إنه تراجع مستمر من جانب الولايات المتحدة عن التزاماتها في المشاورات الاقتصادية والتجارية مع الصين منذ إطلاقها في فبراير 2018، مرورا بإعلان أمريكا في 13 مايو 2019، أنها بدأت إجراءات لفرض رسوم إضافية على البضائع الصينية المتبقية، والتي تبلغ قيمتها نحو 300 مليار دولار أمريكي، والذي تناقض مع الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان الصيني والأمريكي لتخفيف الاحتكاك من خلال التشاور.

وأكدت الصين أن اتهام الحكومة الأمريكية لها بالتراجع عن مسار المشاورات لا أساس له من الصحة وأن حكومة الولايات المتحدة يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة والكاملة عن هذه الانتكاسة الشديدة للمشاورات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، وقالت: "على مدار 10 جولات سابقة من المفاوضات، استمرت الإدارة الأمريكية في تغيير مطالبها، وكان من التهور اتهام الصين بـ "التراجع" بينما لا تزال المحادثات جارية، وقد أثبتت التجربة دائما أن أي محاولة لفرض صفقة من خلال تكتيكات لن تفسد سوى علاقة التعاون، وستؤدي إلى تفويت فرصة تاريخية".

وبعد الكثير من الشرح أظهرت الصين قوتها في نهاية الكتاب الأبيض فأكدت أنها كانت ثابتة وواضحة في موقفها، حيث تأمل حل القضايا من خلال الحوار بدلاً من التدابير الجمركية، كما أنها ستعمل بعقلانية لصالح الشعب الصيني والشعب الأمريكي وجميع الشعوب الأخرى في جميع أنحاء العالم، لكن أكدت وبنبرة قوية في الكتاب أن "الصين لن تنحني تحت الضغط وسوف ترتفع إلى أي تحد في طريقها. الصين منفتحة على التفاوض، لكنها ستقاتل حتى النهاية إذا لزم الأمر".

وقالت إنه لن يعيق أي تحد تنمية الصين، وقد لا تكون تنمية الصين سلسة، وقد تكون الصعوبات أو حتى المخاطر لا مفر منها، لكن بغض النظر عما قد يجلبه المستقبل، فإنّ الصين واثقة من مواجهة التحديات وجهاً لوجه وتحويل المخاطر إلى فرص وفتح فصول جديدة، وأضافت أن الحل الأساسي للتوترات الاقتصادية والتجارية التي تواجه الصين هو أن تزداد قوة من خلال الإصلاح والانفتاح، مع الطلب الهائل من السوق المحلية، وقالت إن الإصلاح الهيكلي الأعمق في جانب العرض سيعزز القدرة التنافسية للمنتجات والشركات الصينية، ولا يزال لدينا مساحة كافية لمناورات السياسة المالية والنقدية، كما يمكن للصين الحفاظ على قوة دفع سليمة للتنمية الاقتصادية المستدامة والصحية، وآفاقها الاقتصادية مشرقة.

وبنبرة أكثر صلابة وقوة اختتمت الصين كتابها الأبيض بالقول إنّ الصين ستواصل تعميق الإصلاح والانفتاح، ولن يغلق باب الصين، بل سوف يفتح على نطاق أوسع. مشيرة إلى إعلان الرئيس شي جين بينغ في خطابه الرئيسي في حفل افتتاح منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي أن الصين ستتبنى عددًا من تدابير الإصلاح والانفتاح الرئيسية، وتعزيز الترتيبات المؤسسية والهيكلية، وتشجيع الانفتاح عند مستوى أعلى مستوى. وتشمل التدابير التي يتعين اتخاذها توسيع فرص الوصول إلى الأسواق للاستثمار الأجنبي في مجالات أوسع، وتعزيز التعاون الدولي في مجال حماية الملكية الفكرية، وزيادة واردات السلع والخدمات، وتنفيذ تنسيق دولي أكثر فعالية بشأن سياسات الاقتصاد الكلي، والتركيز أكثر على تنفيذ الانفتاح سياسات المتابعة. سيكون للصين أكثر انفتاحا تفاعلات أكثر إيجابية مع العالم، والتي بدورها ستدفع التنمية والرخاء لكل من الصين والعالم.

تعليق عبر الفيس بوك