وقفات مع حافلة الموت .. وتحيات.. وسوء إدارة

 

مسعود الحمداني

 (1)

تعود الحياة إلى طبيعتها هذا اليوم بعد شهر استثنائي، انقلبت فيه الكرة الأرضية رأسًا على عقب، ولم يبقَ شيء على حاله، حيث تقلّصت ساعات الدوام الرسمي، وتعطّلت مصالح النَّاس، وتحوّل الناس إلى كائنات نورانية، وخفّت حدّة الحياة نهارا بينما دَبّ نشاطها ليلاً، وغير ذلك مما لم يكن اعتياديا في باقي السنة.

اليوم يعود الناس إلى طبيعتهم، والدوام الرسمي إلى اعتياديته، ويعود الموظفون إلى أدراج مكاتبهم لإنجاز ما خزّنوه من مُعاملات المُراجعين طيلة شهر رمضان، وسيقضي الكثير من الموظفين معظم اليوم الأوَّل في السلام والتحية على المسؤولين وعلى بعضهم، يعني باختصار سيكون اليوم الأول في كثير من المؤسسات يوماً ضائعاً، خالٍ من الإنجاز، سينقضي اليوم الأول من الدوام الرسمي في المجاملات الاجتماعية والوظيفية كالعادة.

(2)

المُناسبات الاجتماعية والرسمية تستنزف الكثير من طاقة وجهد ومال النَّاس، الذين لم يعتادوا على الادخار أصلاً، والذين لا يسيطرون على مصروفاتهم، رغم أنَّ المناسبات معروفة ومبرمجة مسبقاً، وهي تأتي سنويًا في مواعيد شبه ثابتة، وهذا ما يتطلب من الجميع (خاصة ذوي الدخل المحدود) الاستعداد له، عبر خطة (طوارئ) صارمة، والادخار بقدر إمكاناتهم حتى لا يواجهوا أزمة تعصف بهم، ولا يستطيعون مواجهتها ومجابهتها، وقد لا يستطيع البعض توفير كافة احتياجاته، ولكنه يستطيع حتماً توفير بعضها، إذا هو أحسن التصرف، ولم يتحوّل إلى كائن استهلاكي بحت، لا يستطيع السيطرة على مصروفاته.

نحن بحاجة إلى تغيير نمط الاستهلاك الذي نتبعه، والتخلص من بعض العقد الاجتماعية التي تستهلكنا دون أن نسيطر عليها.

(3)

فاجعة حافلة النقل "مواصلات" التي راح ضحيتها سبعة عشر بريئاً بينهم عمانيّ واحد خلال عيد الفطر، بالإضافة إلى الجرحى، يجب ألا تمر مرور الكرام، فهذه الكارثة التي يتحمّل مسؤوليتها سائق "متهوّر" ليست حادثة عادية، وعلى الشركة تحمّل تبعاتها القانونية كاملة، فالسائق التابع لإدارتها لم يكن على قدر الأمانة التي أُوكلت إليه، وضرب بكل اللوحات الإرشادية وإجراءات السلامة عرض الحائط، مما عرّض سمعة الشركة للسوء، وعرّض قبل ذلك حياة الركاب للخطر الفادح، وهو ما يدعو لإعادة النظر في شروط تعيين سائقي مثل هذه الحافلات العامة، ومواصفاتهم، ومعرفتهم بقواعد المرور، وسلامة سجلهم المروري من الحوادث.

فأرواح النَّاس ليست رخيصة لكي يعبث بها سائق متهور.. وعلى الشركة تقع المسؤولية الأكبر مادياً ومعنوياً لتعويض الموتى والمصابين.

وأعان الله أسر الضحايا.