أثر الغيث

عائشة بنت أحمد سويدان البلوشية

ما أجمل الحالة الاستثنائية التي كست أجواء السلطنة بحلة من الخير عرفتها بعض وسائل الإعلام بـ"#منخفض_الغفران" في الأيام الماضية، حيث هطل الغيث بدرجات متفاوتة ما بين غزيرة (تعرف محليا بالمخيلة)، ومتوسطة (وتعرف محليا بالرخية)، أو نزلت بشكل مستمر بخفوت وسكون (وتعرف محليا بالديمة)، وما بين هذا وذاك كان الرذاذ (النفاف) الفاصل الجميل، فسالت الأودية والشعاب، وانسكبت الشلالات، عشنا مع خيرات السماء وقلوبنا تلهج بالأدعية لرب الأرض والسماء، مستغلين شهر الخير وساعات استجابة الدعاء، ونستمتع بتلك النسمات الثرية برائحة الثرى والياسمين التي انتشرت في الأجواء بسبب تراصف موسم هذه الزهور البيضاء زكية الرائحة مع هذه الهبة الإلهية السخية، دائما تنشرح صدور بني آدم برؤية الخير في جميع أشكاله.

إن فعل الخير يتطلب نفوسا راقية عظيمة، وأجمل الخير عندما يخلو من المباهاة، وألذه عندما يكون مستورا بستار الليل الأدهم، وما أجمل الشكر عندما يأتي من طرف ثالث أعجبه ما قام به الطرف الثاني (المتبرع/ المتطوع) للطرف الأول (المحتاج/ المعسر)، هنا يصبح المجتمع صحيحا، كل يشد على يد غيره، فيرتص البنيان، ويقوى الأساس، ويغدوا البناء شامخا لا تهزه الرياح، ولا تؤثر الأنواء على ساكنيه، ولكن إذاعة الخير ليس فيه انتقاص من أجر من يقوم به، شرط أن تكون نيته صادقة صافية لوجه الله تعالى، بعيدا عن المُرَاءاة، ليقال فلان ذا مال أنظروا كيف يمنح، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون) 274: البقرة. لذلك فإن الشارع الحكيم لم يربط العطاء أو يفقِّط ثوابه وقبوله بالسرية، بل تركه مرهونا بالنية، وهو تعالى يقبل ما تقدم به صاحب الخير أو يرده عليه، وهو العلي العزيز الذي لا يرد عملا صادقا صافيا.

كم كنت سعيدة وأنا أرى القطاع الخاص ممثلا في "مجلس إدارة شركة الحبيب" يقوم بتجميع الجمعيات الخيرية والثقافية ليكرمها، في أسلوب نبيل لشكرها على ما تقوم به من أعمال الخير للمجتمع، ومثل هذا النوع من الجمعيات لا ينتظر الشكر من أحد، ولكن هذه اللفتة تثبت أنه من لم يشكر العباد لم يشكر الله، ولكنهم بهذا التكريم هم يرسلون برسالة شكر لكل شخص وضع تبرعه في المكان الأمثل وفي مخرجه السليم، ليصل تبرعه إلى مصارفه الصحيحة، كما أنها ستشجع غيرهم كي يحذوا حذوهم، وقد انتشرت ولله الحمد مساهمات القطاع الخاص في السلطنة والمساهمات الشخصية في رفد المجتمع بالتبرعات المختلفة، مثل حفلات الزواج الجماعي، وبناء المنشآت السكنية، والتكفل بالبعثات الدراسية الداخلية، وفك الكربات بأنواعها، وما أجمل اللحمة الاجتماعية في نسيجنا العماني القوي بفضل الله، عندما يتحسس المتعفف، الذي تقض حاجته وحاجة عياله مضجعه، لكنه لا يتكلم، ولا يتسول، بل يسكت خجلا، فتجد شباب وطننا الرائع- بارك الله فيهم وفي جهودهم- يتحسس هؤلاء، ويبادر في رفع ثقل طاقة الرحى من على أكتافهم بشكل جميل نبيل يليق بكرامتهم، وهذا هو المجتمع الصحي، لأننا نعمل بوصية رسولنا الكريم على الجار، فكيف تبيت شبعانا وجارك جائع، والجوع هنا لا يرتبط بالطعام فقط، بل يتجاوزه إلى مجالات كثيرة،

ما أخرجه الإمام أحمد في المسند، من حديث أنس من قوله صلى الله عليه وسلم: "أمتي كالمطر، لا يدرى، الخير في أوله أم في آخره"، وتفسير الحديث الشريف يحمل معان عدة، فهو قد يفسر أول المطر وآخره يبدأ بالغيث وينتهي بارتواء الأرض، وأيضا قد يقصد به أمة رسولنا الأمي محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله، ففيها الخير في أولها وسيستمر إلى آخرها، ما جعلوا الخير وسماحة الإسلام منهجا لها، وأين سيكون أكثر الخير في أمته صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله، مما يعني أنه ممتد بامتداد وجود الأمة، قد ينقص احيانا وقد يفيض في احيان أخرى. فالله الله بعمل الخير قولا وعملا، ولا نخجل من القليل، فالحرمان أقل منه.

 

 

-------------------------------

 

توقيع:

"صنعُ الجميلِ وَفعلُ الخيرِ إِنْ أُثِرا،،

أبقى وَأَحمد أَعمال الفتى أَثَرا.

بَلْ لستُ أَفهم معنى للحياة سوى،،

عن الضعيفِ وإنقاذ الذي عثرا.

والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ فهمُ،،

كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا.

إِنْ كان قلبك لم تعطفه عاطفةٌ،،

عَلى المساكين فاستبدلْ به حجرا."

خليل مردم بك.