كسارات العوائق

 

 

د. سيف بن ناصر المعمري

 

أصبح من المسلم به أن التنمية تحتاج في كل مرحلة إلى فكر مختلف؛ يستلهم من المُعطيات والظروف المحلية والإقليمية والدولية، ويقود إلى صياغة رؤى مناسبة تستطيع فتح الآفاق أمام ظهور أفكار ومبادرات اقتصادية استثنائية تعمل على تحريك الحياة الاقتصادية؛ ومعها يمكن أن تتحرك مختلف القطاعات، وهو ما يمكن أن نسيمه بسياسة "كسر العوائق" أمام التنمية.

هذه العوائق التي قادت إلى تأخرنا في الاستفادة من فرص النمو والاستثمار في المنطقة، وقادت آخرين لأن يسبقونا، وهو السؤال الذي يجب أن يطرح متخذي القرار الاقتصادي والمخططين والمستشارين عندنا لماذا يتقدمون علينا؟ ما الذي يتميزون به ونفتقد إليه؟ وهو سؤال ليس وليد اليوم ولكنه طرح مرارا وتكرارا في العقدين الماضيين ولكنه لم يحرك أحداً لأنَّ يجيب إجابة صريحة عنه قد تقود إلى البحث عن مسار مختلف وتفكير مختلف يقود إلى نتائج مختلفة؛ وبالتالي ها نحن نعيد طرح السؤال في ظروف مختلفة فيها ضغوطات كثيرة متعلقة بصعوبات اقتصادية مُتعددة؛ صعوبات متعلقة بالتنويع الاقتصادي، وصعوبات بتوفير فرص عمل؛ وصعوبات في الخروج من إجراءات التقشف.

لابد أن نعترف أننا أمام تنمية تواجه عوائق قوية؛ تتطلب إرادة قوية لتفتتيها، وفي الوقت الذي نجحنا في تفتيت جبال ذات طبيعة قاسية وأقمنا عبرها مسارات مختصرة توصلنا إلى أهدافنا بأقل جهد ومُعاناة، لم نستطع أن نكسر العوائق التي تواجه التنمية بصفة عامة والاقتصاد بصفة خاصة لكي نصل بطرق مختلفة إلى تلك الأهداف الإنمائية التي وضعت منذ ثلاثة عقود؛ وتكرار الفشل في تحقيق هذه الأهداف واستمرار القفز إلى الأمام عبر رؤى مستقبلية دون مظاهر لمواجهة العوائق البنيوية يثير الاستغراب، ويبعث على عدم التفاؤل، فعلي سبيل المثال أعطت حادثة الاختلاس الكبيرة في وزارة التربية والتعليم في بداية هذا العام مؤشراً على استمرارية الفساد بقوة في بعض دوائر اتخاذ القرار؛ وأن هذا العائق الذي عده مائة من قادة الرأي العرب في دراسة مسحية أجراها مركز كارنيجي للسلام في الشرق الأوسط عام 2016م، يُعد تحديا رئيسيا يُواجه التنمية بعد التحدي الأول وهو السلطوية والانفرادية في اتخاذ القرارات التنموية دون شراكة وتشاور والتزام بما ينتجه التشاور ويحقق المصلحة العامة وليس مصالح فئوية مُمثلة في شركات كبرى عملت على تحقيق تراكم ثروات على حساب بقية الفئات الأخرى التي يتم تشجيعها للدخول في السوق دون محفزات أو حماية مما يقودها إلى تحقيق نجاحات محدودة جدًا؛ حيث تبتلع الحيتان الكبيرة في السوق الفرص القيمة ولا تترك شيئاً تتغذى عليه الأسماك الصغيرة، وبالتالي يبدو أنَّ إيجاد نظام صارم للحوكمة يعد عائقاً آخر أمام التنمية؛ لأن أنظمة الحوكمة عبر العالم تعمل على إيجاد مناخ آمن ومحفز يتسم بالثقة يقود إلى تحقيق نمو سليم غير متأثر بتضارب المصالح وشبكات العلاقات.

فحكم القانون وتعزيزه من خلال مظلة قوانين محدثة تحقق فرص المساواة للجميع من فرص الحياة الاقتصادية يعد عاملاً من عوامل كسر هذه العوائق. علاوة على ذلك يبدو أنَّ مطالبة المورد البشري لشق طريقه وإيجاد توظيف ذاتي له من خلال المنافسة في السوق، دعوة لابد أن تأخذ بشيء من الحذر، خاصة في ظل وجود الإجراءات البيروقراطية التي تتطلب العديد من الموافقات في العديد من الجهات، ناهيك عن الرسوم التي لابد من دفعها حتى يتم البدء في تنفيذ المشروع، وهو أمر لم يجري فيه أي تغيير ملموس رغم عشرات اللقاءات والندوات والمناشدات والمختبرات التي تم عقدها ألا يعطي هذا مؤشراً على ضعف معالجة هذه العوائق وكأنها لا تعني أحدا؛ هل لأنها مرتبطة بصغار المستثمرين والرواد الذين لا يملكون ظهرا اقتصاديا صلبا مقارنة بما يملكه الآخرون؛ هل يمكن أن نوجد مؤشرا نعمل من خلاله على قياس مستوى سهولة أو صعوبة ممارسة أنشطة الأعمال نستطيع أن نفهم من خلاله ما الذي قمنا به من أجل ما ننادي به هذه السنوات؟

إن كسر العوائق أمام التنمية يرتبط بتحقيق الانطلاقة الاقتصادية المنشودة منذ عقدين ونصف العقد حين أطلقت رؤية عمان (2020)؛ وهي لا تزال التحدي الأكبر عشية إطلاق رؤية عمان (2040). فما الرسالة التي يحملها لنا بقاء المعوقات نفسها طوال عقدين ونصف العقد؟ وفي ظل تزايد ضغوطات عدة لا سبيل لتخفيف حدتها إلا بالإصلاح الاقتصادي الحقيقي الذي يقود إلى كسر هذه العوائق التي يبدو أنها متجذرة تقود إلى إخفاق أي محاولة إصلاحية، وفي الوقت الذي يتأثر المواطنون في القاعدة بهذا الإخفاق نتيجة فقدان الفرص للتوظيف أو الترقية أو الاضطرار لدفع كلفة ارتفاع في الرسوم الخدمية فإنَّ النخب الاقتصادية المرتبطة بالدولة لسنوات طويلة تستطيع أن تضمن مكاسبها حتى في هذه الفترة، وبالتالي ما الذي يُمكن أن يتغير في هذه المعادلة ونحن نفكر في المستقبل؟ هل يُمكن أن نخرج إلى مسار مختلف يقود إلى تنمية بدون عوائق تحفز الجميع، وتجذب المهتمين، وتعمل على الاستفادة من الموارد بشكل فعَّال، أم سنواصل عمليات التمويه بأننا في مسار مختلف ولكن في الواقع كل شيء يمضي في المسار المعتاد الذي ندرك أنه لا يوصلنا إلا لنفس النتائج السابقة؟