علي السباعي| العراق
... عازفٌ ماهرٌ للقصةِ ِالقصيرةِ...ولكل ِ قصةٍ حكمتها "تغريدتها " في وادي الرافدين...إنهُ سومريُ مبدعٌ كونهُ يعرف ُ متى يتلمس الوتر الصحيح لكل وترٍ من أوتار ِالقيثارِ السومري...تتراوح قصصه دائماً بين الأسودِ والأبيضِ ...لا... رماديّ... رغم ما في حياتنا من أوتار ٍ رمادية ٍ كثيرة ٍ ... فكان لنا معه هذا الحوار:-
• أجدك تعزفُ على لونين ِ أسودَ وأبيضَ في قصِصكَ . لِمَ لا تعزفَ على الأوتار ِالرماديةِ ؟
•- الإذلالُ اليومي , واليأسُ, والبؤسُ , والشقاءُ, والفقدُ, والترملُ , واليتمُ, والجوعُ ,والقهرُ, والامتهانُ, والاستبدادُ, وهجرُ الحبيبةِ, وهجرُ الحبيبِ, والسرقةِ, والأُميّةِ, والاستجداء, والخيانة, والرشوة, والوشاية ُ , والغدرُ, والاغتصابُ, والقتل ُ، والتهجيرُ, والذبح بحسب ِ الهوية, وفظائع التفخيخ ,وتضاؤل فرص النجاة , وجنون العبواة اللاصقة, وانقطاع التيار الكهربائي, ودموع ُ طفل ٍ يتيم ٍ, ودمعة ُ طفل يبحث ُ عمّا يَسد ُّ بهِ جوعَه ُ في المزبلةِ ... كلها أحزان ٌ سودٌ . . . لونها أسودٌ ... إنها ضِمنُ الوتر الأسود للقيثارِ, وابتسامة طفلة كلها أفراح بيض ... لونُها أبيضُ ... إ نها ضمن َ الأوتار البيض ِ للقيثارِ. أعطني وتراً رمادياً لأعزُف َ عليه ِ؟!
• موضوعاتـُك مستّلة ٌ من جوهر ِ حياتنا اليوميةِ...أتوافقني الرأي إنها ثيماتُ انتقائية ٌ ؟
•- إنها قصصٌ منتخبة ٌ من راهن ِ واقع ِ حياةِ العراقيين العليلِ والمأساوي ّ في سني مخاضاتهم العسيرة التي سَــوَدَها مشهد سياسي مضطرب قاتم... كنت ُ اغـزلها بمغزل ِ الأحداث ِ القاسية ِ التي مـرَّ بها أبطالي الذين طحنتهم رحى الخوف وألقت ْ بهم الحروبُ والحصارات ُ والاحتلالُ على قارعة ِ الطـُرُقِ, وتركتهم نهبا ً للضياعِ... إنهّم يعيشون َ حياتهم على حافتها.
• مايهم ُّ علي السباعي وهو يكتب ؟
•- أن أكون َ صادقا ً
• لـِم َ تكتب؟
•- أكتب ُ بوازع ٍ من ضميري لأنني عشت ُ فداحة َ غربة َ واقعي في عراق ٍ قاس ٍ جدا ً , كان التفسّخ شاملاً في حياتنا المدمرة , فقد أثرت بي الظروف وبشكل كبير فكتبت لروحي ,لأن الكتابة انتشلتني من يأسي وحزني وكآبتي , وفرح ُ الانتهاء من الكتابة ِ يكون سرورا ً أن تنتصرَ لإنسان ٍ هُدِرتْ كرامته...لا تنصفها الكلماتُ . لكنها تَصِفُهَا.
• ماذا كتبتْ؟
•- ما أشعرُ به من : مشقـّة ٍ وألم ٍ وإحباط ٍ وخوف ٍ ويأس ٍ وأحلام ٍ ضائعة.
• عَـمَّ كتبتْ مدافعا ً ؟
•- أطلقـت ُ صرختي بصوت ٍ عال ٍ صادح ٍ مدافعا ً بلا مساومة ٍعن قناعاتي ضد كل من استهتر َ بقيمنا. . . قيم َ الإنسان العراقي ّ وحقه في حياة ٍ آمنة, وبدفء إنساني ومزاج متــّقدٌ انتصرت فيه بالحب ِ كتابة ً للمظلومين.
• ما دور فعل الكتابة في حياتك ؟
•- جعلني أكثرُ إنسانية .
• ما الذي تجيدُ فعله في هذه ِ الدنيا ؟
•- أُجيدُ شيئا ً واحدا ً فقط . أن أكتب َ عن عشقي الأبدي : القصة القصيرة .
• بـِـمَ عّمدتَ نصوصك ؟
•- بماء ِ نهر ِ حياتنا المهدمة الذي يجري سريعا ً ليشق لنفسه ِ دروبا ً على هواه .
• مجموعتك ((مدوّنات أرملة جندي مجهول)) جاءتْ على هيأة ِ قصص ٍ قصيرة ٍ جدا ً.هل هي وطنك اليوم ؟
•- لا . أنها منفاي.
• هل كانتْ قصصك طوال مسيرتك الأدبية ترى نفسها مرة في مرآةٍ محدبةٍ ومرآة مقعرة ؟
•- ((............................)).
• غنائية ُ نصوصِك َ منذ (( إِيقاعات ِ الزمن ِ الراقص ِ )) حتى ((بنات ُ الخائبات)) . هل هي مقصودة ؟
•- بداخلي شاعرٌ... منذ محاولاتي الأولى سعيــّت ُ لجمالية عبارتي السردية ورشاقتها وجعلت ُ ما أكتبه مغموسا ً بالشعر ِ . جمالية ٌ خاصّة ٌ بي وحدي ترضي بداخلـــــي الشاعرَ. آه ٍ . تسحرني اللغة الجميلة إنها كالأنثى الفائقة ِ الحُسن ِ.
• إلا ّيقلقك أن يعيبك َ النقد ؟
•- القراء ُ الجادون يتعلقون بالمحكي الجميل لا بالقـَـصْـخُون الماهر , فالمحكي المطـرّب يخترق الروح وتهواه النفوس وتلتّف حوله القلوب قبل الأجساد ِ بعيونِها... بعد َ أن تستـقـرَّ أسئلتُها وتزولُ حيرتُها .
• ما الداعي لكل ِ هــذا العذاب ؟
•- أن أكون َ شاهدا ً حـيا ً على ما مررنا به من مصائب ٍ ونكبات ٍ وعذابات ٍ . الكتابة ُ تدوّن ُ الحزن َ والفرح َمعا ً.
• ألك َ صوت ٌ قصصي ٌ ؟
•- حاولتُ أن تكونَ لي تغريدةُ . لكن ... !
• لكن ماذا . أأهملَ النقادُ منجزكَ الأدبي ؟
•- لقد اهتـّمت النقدية ُ العراقية ُ وبعض ُ النقاد العرب بما كتبت اهتماما ً كريما ً , وأخذوا بيدي إلى آفاق ٍ رحبةٍ من المعرفة ِ الإنسانية ِ لبناء ِ قصة ٍ ناجحة ٍ تدوزن أوتارها بالعلم.
• أتوفقني الرأي أن من أظهرك َ إلى النور ِ وجها ً لوجه مع القراء هي مجموعتك البكر (( إِيقاعات ُ الزمن الراقــص))..؟
- لا . زليخات ُ يُوسُفُ من أظهرني إلى النور .
• أبرز ما جاءت به موضوعاتها ؟
•- أبرزتُ فيها أثري؛الحرب والحصار.
• أَحـَلقتْ بها خارج سربك الذي نشأتْ فيه ؟
•- الرأي متروكٌ للذين أفنيتُ عمري أكتب لأجلهم .
• القارئ المتتبعُ لمدوّناتك يجدها مليئة بملامح الحياةِ في المدينة ِ تحديدا ً . لماذا هذا الاهتمام بالمدينة ؟
•- ولدتُ في مدينة ٍ تحترق ُ مشقة ً ضارية ً شاملة ً بفعل ِ القمع ِ السياسي الوحشي ... كان حــزن ُ الناصرية عــميقا ً بليغا ً مؤثرا ً... كانت ْ تفـرط ُ فـي كــرمها , وكأنها تجــود بنفسها ... مدينة ٌ رافدينية ٌ تفتق ُ بغنائها الموجع إنسانيتك , وأحدُ أسرارها أنها تجبرك على البكاءِ في ريعان الشباب . وتظل ُّ تبكيها وتبكيك وأنت تحترق كالشمعة قراءة لواقعها المزري , وفي كل َّ مكان ٍ من أمكنتها العتيقة تجدُ أنَّ هناك َ حكاية ً لأُناس ٍ تعذبوا ظلماً وتعسفا ً... شكلــّت قصصي موقفا ً مما عشناه في ثمانينيات وتسعينيات المدينة العراقية موقفا ً إنسانيا ً منتصرا ً لحياتنا المشبعة ِ بالخوفِ من الاعتقال , والموت تصفية في غياهبِ السجون , والهلع من القتل ِ في خطوط ِ التماس ِ, ورعب النفوق جوعا ً في الحصار , والظلم الاجتماعي . أن مدننا ترملت يوم زفافها ولبـسـت السواد . ســـــــواد الفقد . فقد الأحبة موتا ً . موت رجالاتها في جبهات الحياة . فكل معزوفة من معزوفاتي أتت مليئة بملامحِ أنقاض ِ الحياةِ الإنسانية ِ لمدنِ ما بين النهرين المسحوقةِ.