الاقتصاد.. قضية مفصلية تواجه البرلمان البحريني

عبيدلي العبيدلي

في 13 مايو، صدر عن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة  أمرًا ملكيًّا بفضِّ دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب، ورغم الصورة الخارجية الساكنة لكل من المجلسين، لكن كليهما عرف بعض "الخضات" التي شدت انتباه المواطن. وبعيدا عن ذلك، وعلى وجه التحديد عند تناول موضوع مجلس انتخابات 2018 النيابي، لا بد من الإشارة إلى أنه مجلس هذه الدورة تميز ببعض الخصائص التي تجعله مختلفا عن  المجالس النيابية السابقة، وعلى وجه التحديد، مجلس انتخابات 2014، والتي يمكن تلخيص الأبرز بينها في النقاط التالية:

- تقلص عدد ممثلي الجمعيات السياسية؛ بما فيها تلك التي لم تتغيب عن المشاركة في الانتخابات، منذ انطلاقة هذا المجلس، كأحد مكاسب المشروع الإصلاحي الذي دشن في مطلع هذا القرن. هذا الضمور لم يشمل تراجع عدد ممثلي كل جمعية على حدة، وإنما أيضا، فشل بعض الجمعيات الأخرى في إيصال حتى ممثل واحد عنها. هذا حرم المجلس من من بعض عناصر قوته؛ إذ جعل بناء تحالفات سياسية بين الكتل النيابية أمرا معقدا من جانب، ويفتقد إلى أهم عناصر نجاح مثل تلك التحالفات، ذات الأجل الطويل، من جانب آخر.

- غياب ممثلي بعض الجمعيات السياسية بفضل حجب نشاطاتها، مثل "وعد"، و"الوفاق"، التي يحتل كل منهما خانة معينة في خارطة العمل السياسي البحريني، وفي فضاء الغرفة النيابية أيضا.

- وصول مرشحين من جمعية "المنبر التقدمي"، وآخر من "تجمع الوحدة العربي"، وهو مؤشر قوي على استمرار السلطة التنفيذية في التعايش مع قوى سياسية منظمة، بمن فيها تلك التي مارست سياسة مقاطعة  الانتخابات، كما هي الحال بالنسبة لجمعية "المنبر التقدمي"، التي تمكن أحد ممثليها من نيل مركز النائب الأول.

- وصول سيدة إلى منصب رئيس المجلس النيابي؛ الأمر الذي يجعلها أيضا رئيسة السلطة التشريعية بحجرتيها، وهي ظاهرة تستحق الإشادة، فهي سابقة لم تعرفها أي من البلدان العربية الأخرى، بما فيها دول عريقة في العمل البرلماني مثل الكويت، او حتى مصر أو المغرب.

كلُّ هذه العوامل -بما تحمله من سلبيات أو إيجابيات- لم تتمكن من إحداث النقلة النوعية المطلوبة التي كان يتوقعها المواطن، خاصة عندما يصل الموضوع إلى القضايا الرئيسية المفصلية التي لا  تتوقف عند قضايا ذلك المواطن المعيشية، رغم أهميتها، بل تتجاوزها، دون إهمالها، كي تصل إلى الدوائر المصيرية ذات الأبعاد الإستراتيجية، وفي مقدمتها مجموعة من الملفات الداخلية، التي من الخطأ فصلها عن الوضع الإقليمي المتلاطم، والدور الذي يمكن أن تمارسه البحرين فيه، دون القفز على الحيز المحدود، نسبيا الذي تشغله البحرين في فضاء ذلك الواقع السياسي.

ومن الطبيعي أن تتيح الفترة التي تسبق عودة المجلس النيابي للانعقاد، مساحة زمنية ليست بالقصيرة، بوسع النواب أن يتدارسوا تلك القضايا فيما بينهم من أجل معالجتها، والتوصل لتصورات أولية تشمل مسودات تشريعية، وتستقرئ انعكاساتها على السلطة التنفيذية.

ويُمكن تصنيف تلك القضايا في فئتين، ليستا بالضرورة مستقلتين عن بعضهما الآخر، لكن طبيعة كل منهم تقتضي مثل هذا التمييز.

الفئة الأولى: هي تلك التي يُمكن إدراجها في الفئة المحلية الداخلية المحضة. أما الثانية، فهي التي يطغى عليها البعد الإقليمي، بشقية الخليجي المحصور، والعربي الأكثر اتساعا. وربما تقتضي طبيعة المرحلة، وإفرازاتها، وضع الأولى  في خانة الأولويات، دون أن يعني ذلك إهمال الثانية او تجاهلها.

وفي الفئة الأولى، ليس هناك من يختلف على أولوية القضية الاقتصادية على سواها من تلك التي تندرج في إطار الأمور الخدماتية.

وأسوأ خطأ يُمكن أن يرتكبه البرلمان في دورته المقبلة، حين يُركز اهتماماته، ويسخر جهوده لاهثا وراء قضايا مُتناثرة يفشل صهرها في بوتقة إستراتيجية واحدة تأتي الحلول التي تتناول تلك القضايا المبعثرة كمحصلة طبيعية لها.

القضية الرئيسية هُنا تتمحور حول مستقبل البحرين الاقتصادي، الذي تشكل رؤية 2030، إحدى ركائزه المهمة. فدول العالم اليوم، بما فيها تلك الصغيرة مثل البحرين، مقبلة -بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات، التي توصف بأنها "الثورة الرابعة"- على مرحلة جديدة لم يعرفها تاريخ التطور الاقتصادي البشري، إن كان من حيث سرعة وتائر التحولات النوعية التي تحملها في جعبتها، أو من حيث المنتجات التي تولدها يوميا تلك الثورة، والخدمات التي باتت تقدمها.

ونورد على سبيل المثال لا الحصر، منتجا واحدا فقط من باقة المنتجات التي نشير لها، وهو البيانات الضخمة (Big Data) التي تعرفها المؤسسات ذات العلاقة بأنها "مجموعة هائلة وضخمة جدًّا من البيانات في أشكالها المختلفة من كلمات وصور ورسائل صوتية وغيرها"، والتي سيصل حجمها، "إلى 4.4 زيتابايت (4.4 تريليون جيجابايت) في العام 2013، و 44 زيتابايت في العام  2020، وسيصل حجمها إلى ما يقرب من 180 زيتابايت بحلول العام 2025 طبقا لدراسة أجرتها مؤسسة البيانات الدولية (IDC)".

وليس هناك من دليل على أهمية البيانات الضخمة، مما أوردته الأمم المتحدة في أحد تقاريرها الذي يقول: "لم يزل هناك نقص في البيانات الحاسمة التي لا بد منها لوضع سياسات إنمائية وطنية وإقليمية وعالمية. وتفتقد كثير من الحكومات إلى سبل الحصول على البيانات الكافية المتصلة بشعوبها. وينطبق ذلك على الأفراد الأشد فقرا والأكثر تهميشا، وهم الفئات التي ينبغي على الزعماء السعي إلى التركيز عليهم لتحقيق القضاء على الفقر المدقع ... مع حلول عام 2030 من خلال عملية تشمل  الجميع".

ويؤكد ذلك التقرير دور القطاع الخاص في الاستفادة من تلك البيانات قائلا: "ويجمع القطاع الخاص معظم البيانات الضخمة التي تنطوي على أهمية كبيرة لاستخدامها في للصالح العام. لذا، يُرجح انتشار الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وسيكون التحدي الماثل  هو ضمان استدامتها على مر الزمن، فضلا عن ضرورة وجود أطر واضحة تحدد الأدوار التي يضطلع بها كل طرف والتوقعات المرجوة منه".

مثل هذه القضية المفصلية، وأخرى تضمها قائمة طويلة ليس هنا مجال سردها، تطالع البرلمان الحالي، متوخية أن يحمل في جعبته التشريعية النظرة المستقبلية المطلوبة التي تضمن التحول المنتظر الذي يعالج القضايا الأخرى، التي ستبقى حلولها مبتورة وناقصة ما لم يحمل البرلمان الرؤية المستقبلية الشمولية التي لا يمكن الاستغناء عنها، من أجل وضع البحرين على عتبة تحول إيجابي نوعي.