حمد بن سالم العلوي
قُرعت طبول الحرب من جديد على إيران مع مطلع شهر مايو الجاري بقوة، وتحمَّس لها صبية السياسة الخليجية، ظناً منهم أنّ الحرب مع إيران هي كالحرب التي جرت على العراق، ونسوا أو تناسوا عمداً أو حتى استخفافاً بحجم الخصم وقوته والدول التي تقف معه وخلفه بالدعم الأكيد، وقمة الاستخفاف أن يخرج علينا مذيع مفوه يقرأ تهديداً بمحو إيران من الوجود خلال بضع ساعات، ومن لم يعايش الواقع ويعرفه، قد تأخذه رهبة من الأمر، وشفقة على الجارة إيران، وسيبدأ يفكر من أين سيأتي بالزعفران والجوز واللوز والفستق الإيراني بعد الآن؟! إذا ما نفذت الدولة صاحبة البيان الخطير تهديدها، والكثير من الأفلام الكرتونية من هذا القبيل أخذت تأتي تباعاً هذه الأيام.
لقد شجَّع هذا الإتجاه من الحسم والعزم والعواصف الصحراوية والسماوية، تلك الأساطيل الحربية التي تقودها حاملة الطائرات أبراهام لينكولن، وبعض القاذفات الاستراتيجية من نوع B2 والتي أرسلتها أمريكا إلى منطقة الخليج، فصدق المغامرون أنّ الحرب واقعة لا محالة، وأنّ إيران تستنشق آخر نسمات من الأوكسجين النقي، وسترى ومضات قليلة من الشمس المشرقة، والتي ستغيب عنها إيران وإلى الأبد، وذلك حسب تصور أشاوس حروب "الأتاري" وذلك نتيجة لهذه التهديدات القوية التي تفوح طراوة هذه الأيام، وإنّ إيران كالعراق تماماً، ولا شيء يمنع من إعادتها إلى القرون الوسطى في غضون ساعات قليلة من الوقت.
لقد غاب عن ذهن القادة المهوسين بالحرب عن بُعد، أنّ إيران ليست العراق لا من حيث الموقع، ولا من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، ولا من حيث عدد السكان، أو علاقاتها القوية بروسيا والصين، ودول كثيرة ليست محبة لأمريكا، وغاب عن أذهانهم أنّ إيران أصبحت دولة عظمى، وإلا ما أجلست خمس دول عظمى + ألمانيا في مقابلها لتفاوض مفاوض واحد وهو إيران، وإيران هذه التي يستخف بها صبيان السياسة في العالم العربي، قد استعدت للحرب خلال الأربعين عاماً مضت، وإيران هذه التي نويتم محاربتها تمتلك مدنا تحت الأرض مزدحمة بالأسلحة الاستراتيجية لتحمي بها نفسها من أي غدر قد يقع عليها، فإن كنتم أيها الموترون بالحروب النظرية، فإنّ الأمريكي الذي تنتخون به سيحارب إيران لسواد عيونكم، فأنتم حتماً مخطئون وواهمون، لأنّه يعلم يقيناً بقوة إيران، لذلك لن يورط نفسه مع عش الدبابير حتى لا يكسر هيبته التنمرية، والتي أبطل أحاديتها بروز روسيا والصين كقوى جديدة، وطبعاً في نظر هؤلاء من يؤمن بهذا المنطق فهو مجوسي وصفوي وعميل ومنبطح، وكل تلك العبارات الرنانة المقيتة تنطبق عليه.
إنّ أمريكا التي بعثت بهذه القوة الرهيبة إلى منطقة الخليج، فقد بعثت في الوقت نفسه إلى الإيرانيين تقول لهم، إننا لا نريد الحرب معكم، ولكنّها لن تقول لهم، إنّها مسرحيّة سمجة لتحقيق أهداف في الضفة الغربية للخليج، وهي حركة لن تكلف الخزينة الأمريكية بنسا واحدا، وإنّ التعويضات تأتي بالهاتف أو بتصريح على الهواء، وإن هذه القوة ستعيد فتح بعض القواعد العسكرية التي تمّ الاستغناء عنها بعد الحرب على العراق، وهذا ما تحقق فعلاً وهي مدفوعة التكاليف، لكن رغم كل ذلك، ظل الحماس للحرب محلياً على أوجه، وربما تبرّع الإسرائيليون بافتعال الفتيل لإشعال الحرب مع إيران، وغير معروف لحد الآن إن كان ذلك الفتيل سيناريو قديم قد نفذه الإسرائيليون أنفسهم، أم أنّهم وضعوا السيناريو فقط، ونفذه غيرهم ببلاهة منقطعة النظير، وذلك بهدف تشجيع أمريكا على شن الحرب، ولكن الأمريكان أعلنوها صراحة أنهم لا يسعون لمحاربة إيران.
إذن؛ فإنّ تفجير سفن فارغة من النفط، وفارغة من البشر أيضاً لن يكون من صنيعة إيران، لسببين، أولهما أنّ إيران لا تريد الحرب، وإن كانت لا تخاف منها، وثانيهما أنّ إيران إذا قررت ضرب سفن ما، لن تختار سفنا فارغة، ولن تحذر الناس بمغادرتها قبل ضربها، لذلك يستبعد أن ينسب مثل هذا الفعل إلى إيران، ولكن التاريخ يخبرنا أنّ إسرائيل، هي من يقوم بها هكذا أعمال مفبركة لخلق الذرائع، لذلك نجزم إن تفجير السفن فعل غير إيراني، وأنّ من قام بذلك كان إخراجه لهذ المشهد سيئاً وساذجاً بامتياز.
ولأنّه تدبير غير محكم، قد علمت به إيران حالاً ونشرت الخبر، وذلك لفضح تلك الفبركة، وأحدثت إرباكاً كبيراً بدهائها المعروف، فقد أحدث نشر الخبر من قبل إيران دربكة في وسائل الإعلام، فقد نُفيت الحادثة بداية من قبل الإمارات، ثمّ تمّ تأكيدها لاحقاً، فأصبحت العملية مكشوفة "فنزل المولود ميتاً" وخسروا بعض الأضرار في تلك السفن، وخاب الرجاء في أمريكا لأنها لم تلتقط طرف الخيط لتبني عليه بقية الحكاية، وعندما شعرت إسرائيل بخيبة الأمل، أخذت تسحب نفسها بعيداً عن الموضوع، خوفاً من العقاب الذي قد يُقصّر من عمر احتلالها لفلسطين.
لقد تعقدت الأمور كثيراً، فأمريكا التي ظنت أنها سترعب إيران بمجرد تحريك قوتها الضاربة إلى الخليج، وسوف يأتيهم قاسم سليماني رافعاً يديه مرعوباً، كما تمنَّى ذلك صبية الخليج في فيديو ثلاثي الأبعاد، إذن الحرب أصبحت أمراً مستبعد الحدوث في الوقت الراهن من قبل أمريكا، وقد صال وجال وزير خارجية أمريكا في المنطقة، وعاد بعد زيارات مكوكية، بقناعة إن الحرب مع إيران لن تكون كالحرب على العراق، ففي روسيا ليس هناك من يقبل المليارات، كما حصل ذلك أيام الحرب على العراق، بل هناك ثأر مبيت من أمريكا والسعودية على حرب المجاهدين لها في أفغانستان في زمن الاتحاد السوفيتي، وإن وقعت الحرب على إيران فستكون للروس فرصة للأخذ بالثأر الدفين، وهكذا ستفعل الصين، ومثل هذه المواقف لم تحصل مع العراق، وذلك نتيجة عنجهية صدام حسين واعتماده النخوة العربية دون السياسة، إذن موقف إيران أفضل بكثير من الوضع الذي كانت عليه العراق، مع وجود فوارق كثيرة، لذلك سيظل مستر ترامب ينتظر طويلاً أن يهاتفه الإيرانيون.
لقد تلبدت الأجواء في المنطقة بين الصلابة الإيرانية، والهيبة الأمريكية التي مرغت بالحرج الشديد، فما كان من عُمان إلا دخولها على خط الأزمة، وذلك رغبة في إطفاء بعض الحرائق إن أمكن الأمر، ورفع السلِّم لإنزال الطرفين من على الشجرة العالية، بالحنكة والحكمة العُمانية المعهودة، وهنا بدأ طنين الذباب والبعوض الخليجي، مزمجراً ومعترضاً بأقبح الصور على محاولة عُمان إبعاد الحرب الذي يراها الصبية سهلة كما هي بالفيديو ثلاثي الأبعاد، أمّا عُمان التي تعرف معنى الحرب الحقيقية، فإنها ستعمل بكل قوة وثقة على إبعاد شبح الحرب على المنطقة، وهي تعلم يقيناً أنّ أمريكا لا تسعى للحرب مع إيران، ولكن حتى لا يقع أي خطأ قد يشعل فتيلها خطأ، فعندئذ يصبح إيقافها مستحيلاً قبل أن تأخذ مداها التدميري، فأمريكا التي خاضت الحروب مع العراق وأفغانستان الدولتين الضعيفتين مقارنة مع إيران، تعرف تماماً حجم الكارثة، بل هي تريد تخوض مغامرة للتخويف من أجل تمرير "صفقة" القرن التي تعترض عليها إيران بقوة، ولكن إيران ظلت على موقفها القوي.
إذن؛ الأمر الأخطر الآن ليست أمريكا، وإنما صقور الفيديو الثلاثي الأبعاد، والدفع السّري الإسرائيلي لهم، ووهمهم الكبير بالقدرة على تدمير إيران بضربة خاطفة، تدعمها إسرائيل في الخفاء وتتمنى وقوعها، لماذا لا والمسلمين يقتتلون بعيداً عنها، وإن كان البعض لا يقبل أن تصف إيران بالمسلمة حتى لا تكون مثلهم، ولكن الشيء المعلوم أن وقعت هذه الحرب- وربما القمم المنوي عقدها آخر هذا الشهر- هي لشحذ الهمم وحشد القوة لتنفيذها، فستكون كارثية بما لهذه الكلمة من معنى، وقد تُضرَب إيران بقوة نارية كبيرة، ولكن الطائرات الحديثة والجميلة التي ستغير على إيران، قد يعود بعضها سالماً، ولكن قد لا تجد مطارات مناسبة لتنزل فيها، والقادة المغاوير الذين يجرون استقبالاتهم حالياً في قاعات مغلقة بحراسة "بلاك وتر" قد لا تظل تلك القاعات على حالها كما كانت قبل الحرب.
لذلك عُمان تسابق الزمن لعلها تستطيع إنقاذ المنطقة والعالم، من أولئك الذي يقفون على شفا جرف هارٍ، وذلك في رغبة طموحة منهم للانتحار، بحرب قد يعلمون بدايتها ولن يعرفوا لها نهاية، وعُمان التي تشعر بمسؤولية أدبية تؤرقها على شعوب المنطقة، والضرر الكبير الذي سيقع عليهم، تبذل قصارى جهدها لإبعاد شبح الحرب بالسبل الممكنة، أمّا الصبية إن أرادوا الانتحار فذلك شأنهم، وهذه المنطقة وإن كانت عربية جغرافياً وتاريخياً، إلّا أنّها بما تحويه من مادة حيوية "النفط" يشاركنا العالم في الاستفادة منها، وتوقف النفط في الوصول إليهم، سيخلق أزمة دولية وكساداً عالمياً رهيباً لكافة الدول.. اللهم وفق عُمان وسلطانها لنشر الخير والسلام، وسجل النصر على النفوس الضعيفة والشريرة، من أجل سلامة هذا الكوكب من عبث العابثين وكيد الكايد، اللهم بدِّل كل عقدة للحرب بأبواب مفتوحة للمحبة والسلام، بقوة وتقدير منك يا الله يا عزيز يا قدير، اللهم آمين يا رب العالمين.