عبدالله العليان
لا تَزال التوترات وطبول الحرب العسكرية والاقتصادية مستمرة في منطقة الخليج، وهذه الطبول والحشود لها أضرارها وتأثيراتها المعاكسة على الاستقرار لهذه المنطقة، التي لم تستقر منذ ربع قرن من الحروب بالأصالة، أو بالوكالة، حتى الآن، فماذا يراد لهذه المنطقة التي كانت أكثر استقراراً من الكثير من المناطق في العالم لعقود طويلة؟!
صحيح أنَّ الأزمة الراهنة هي بين الولايات المتحدة وإيران، وهذه ليست جديدة وربما لن تكون، فهناك خلفيات كبيرة اتسمت بالتوتر والحرب السياسية والاقتصادية، منذ قيام الثورة الإيرانية، وسقوط شاه إيران عام 1979، ثم جاءت أزمة الرهائن من أعضاء السفارة الأمريكية التي استمرت 444 يوما، وحاولت الولايات المتحدة إنقاذهم في العام 1980 لكنَّ العملية انتهت بالفشل الذريع، وسقوط طائرتين ومقتل العديد من العسكريين، وكانت هذه الأزمة قد سببت إهانة للأمريكيين ربما جعلتهم لا ينسون ما جرى للرهائن وخسارة إنقاذهم، واستطاعت إيران أن تخرج من هذا الحصار بأقل التكاليف، مع أنها دخلت في حرب طويلة مع العراق، استمرت ثماني سنوات، وخسر العراق الحرب التي شنها؛ بهدف إلغاء اتفاقية (شط العرب) التي وقعها مع شاه إيران في الجزائر عام 1975.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، استفادت إيران من تفكك المعسكر الاشتراكي، ونجحتْ في جلب العديد من العلماء في قيام صناعات عسكرية وتكنولوجية مهمة؛ منها: إنشاء المفاعل النووي، وبقيت الأزمة قائمة، لكنها خفت بعد احتلال الكويت من قبل نظام الرئيس الراحل صدام حسين في العام 1990، وشن الحرب عليه لإنهاء الاحتلال، لكن العقبة الرئيسية التي بقيت قائمة هي موقف إيران من الاحتلال الإسرائيلي، ودعمها للمقاومة اللبنانية، وبعض المنظمات الفلسطينية، وهذه ربما لم تجد الولايات المتحدة مناصاً من الضغط على إيران ومحاولة إيجاد كل الوسائل لعدم دعم المقاومة اللبنانية، وهذه بقيت مسألة غاية في التوتر والخلاف بينهما، خاصة بعد نجاح حزب الله في أن تخسر إسرائيل حربها ضده في العام 2006، على الرغم من التدمير الكبير في بنية المناطق التي تتبع السكان الداعمين للمقاومة، وهو ما يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل -وما يُقلق إسرائيل فإنه بالتبعية يقلق الولايات المتحدة- فإن إيران أصبحت قوة إقليمية كبيرة، بعدما طورت أسلحتها التقليدية بشكل كبير، وأعطت خبراتها العسكرية لحزب الله، بحيث لديه من القدرات ما يردع أي هجمات جديدة، وأصبحت القيادة السياسية الإسرائيلية تفكر مليًّا في الإقدام على أي مغامرة عسكرية بعد حرب عام 2006.
لكن الأزمة التي استمرت طويلاً، هي قضية المباحثات بين الولايات المتحدة، حول تحديد التخصيب، وكثُرت اللقاءات بينهما حتى تم الاتفاق بينهما، وتم رفع العقوبات -تم هذا في إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما- وبعد وصول الرئيس ترامب، تغّيرت اللهجة الأمريكية، تجاه الاتفاق، وتشددت الولايات المتحدة حول ما أسمته بعدم التزام إيران بالاتفاق، وهذا ما جر الأمر إلى إلغاء الولايات المتحدة الاتفاق عام 2018، والتهديد بإعادة العقوبات الأمريكية، وهي ما بدأته بالتدريج، بزيادة الضغوط على إيران، ووصلت التهديدات إلى ما هو أخطر منذ عدة أسابيع بعد الإجراءات الأمريكية بزيادة الضغوط الاقتصادية إلى ما هو أخطر من ذلك، ربما بتوقع بعض المراقبين حربًا قد تحصل بينهما، بعد كثرة التهديدات الأمريكية.
لكن البعض يرى أن هذه التهديدات لن تصل إلى حرب عسكرية، لكن كثرة الضغوط الاقتصادية، قد تجر إلى حرب ولو محدودة، خاصة وأن إيران تعتقد أن هذه الضغوط الاقتصادية، بمثابة تهديد لخنقها اقتصاديا من خلال منع حركتها في بيع النفط، وهذه مؤشرات ربما تقود إلى المواجهة، وترى الولايات المتحدة -وقد قلت ذلك في مقال سابق- أن هذا المشروع النووي الإيراني محاولة لمنع "امتلاك إيران السلاح النووي، وبهذا أخذت القضية أبعاداً خطيرة وشائكة، وزاد القلق والتوتر على المستوى الدولي بفضل المقولات التي تطرح في الغرب من أن إيران تحاول تحت ستار البرنامج السلمي إنشاء منشآت الوقود النووي اللازمة لإنتاج مواد قابلة للانشطار، ومن حق إيران امتلاك الوقود النووي السلمي وتطوير هذا البرنامج للأغراض العلمية والتكنولوجية، ومثلما حصلت إسرائيل وباكستان والصين وقبل ذلك الدول الكبرى -قبل الصين- فإن إيران من حقها الحصول على هذا العلم وأدواته التكنولوجية في المجال السلمي مثلها مثل الآخرين"، لكن في اعتقادي أنَّ الخلاف القديم بينها لا يزال يلعب دوراً دافعاً في هذا الخلاف، إلى جانب أن إسرائيل تُسهم في هذا التأزم، من خلال تضخيم الخطر الإيراني على وجودها...إلخ. لكنَّ هذا الأزمة تزداد خطرا مع التصعيد الجديد، الذي يراه البعض أن مقدمة ربما إلى حرب.. وللحديث بقية.