"غطاء دروبادي"

 

أحمد الرحبي

إنَّ قناعة الهندوس بالقدرية، تتمثل في أن يوضع كل فعل وكل حدث في فقرته، من الأسباب والنتائج، كل شيء يعود إلى انتظام النوع، في حسابات القدر، أي ما يخص الإنسان وأوجه شجاعته وأوجه جبنه وحقيقته ووهمه، إنه مثل الشجره التي لا تتخلص أبداً من جذورها ولا من أغصانها، مثل النهار الذي يرتكز إلى الليلة التي سبقته، وهو من سيولد من ليالي أخرى.

تراهم يبحثون عنه (الغيب) بواسطة الصلوات، وبعض الأفعال، منذ الطفولة، يقبلون بموت الجسد، وبالتضحية الدينية، تراهم يمضون بعيدا حتى الحدود القصوى؛ من أجل استحصال جواب، تراهم يطلبون الجواب؛ برؤيا متحصلة من الشطح، بعذاب، ليس بعذاب ولكن بجراح لا تسيل أبدا، بأقدام لا تحترق أبدا، بحليب لا يحمض أبدا، كل شيء قد كتب في أغاني الأرواح التي تتردد حولهم؛ في النظرات السوداء المنقلبة، في الضحكات والدموع المنتشية، في الأجساد المشكوكة بالإبر التي تلمع تحت ضوء الشمس، في كل صباح في كل تظاهرة من هذه التظاهرات، يزداد إيمانهم، فيما تزداد رغبتهم في بلوغ المنتهى، في النظر إليه ولو بشكل خفيف إنهم مستعدون لعيش الموت الصغير من جديد، هذا الموت الذي يتفتح فيهم من دون توقف.

  كما يتعرفون إلى الطرق التي يعبرها القديسون والورعون؛ إلى غذاء النجوم؛ الذين يحملونه في شفاههم، هذا ما يميزهم عن غيرهم، إنه الإيمان السعيد والمليء بالعذابات، إنه يدفع بهم بعيدا عن أنفسهم، حتى لو كانوا أناسا بسطاء عاديين للغاية، فإنّ التعبير عن إيمانهم،  يجعل منهم أصحاب طرق وإشراقات.

تتناول رواية ..غطاء دروبادي.. للكاتبة الموريسية من أصل هندي آناندا ديفي، كموضوع أساسي يقع في صلب الرواية برغم التفرعات التي تشكل هوامش، وروافد تصب في عمقها،  التضحية التي تفرضها الطقوس الصارمة للديانة الهندوسية، التضحية من أجل شراء مصير جديد، حيث تفرض الطقوس الدينية، التي يمثل سلطتها الكاهن الهندوسي، وبإلحاح من الزوج ومن خلفه عائلته، والجماعة الدينية، على بطلة الرواية أنجالي، على المشي فوق النَّار فوق ..غطاء دروبادي.. بعد تدهور صحة ابنها، الذي يعاني من مرض التهاب السحايا بعد أكثر من سنتين من ميلاده، وعدم جدوى المُعالجات الطبية.

حيث تتحدث الرواية عن سياق قدري لا فكاك منه، قدرية منبئة بما ستؤول إليها الوقائع، من نهايات مأساوية محزنة، تذكرنا بالمآسي الإغريقية، لكن لها معنى آخر في الرواية، معنى مستقى من التقاليد الهندوسية ما يسمى ..الكرما.. حيث البشر حسب الاعتقاد الهندوسي يعيشون في دورة، فيتقمصون ويتناسخون في كائنات غيرهم، وفي ظروف زمنية متغيرة، وهي قدرية أو ..كرما.. بالأحرى تتكفل بها جماعات فاعلة في المجتمع، وتنظمها طقوس مُتناقلة ومجربة، ويحرسها كهنة مندوبون لمُتابعة عمل الدورة.

رغم المسارات العديدة التي على القارئ أن يخوضها في الرواية، إلا أنه يبقى دائماً مشدوداً إلى درب آخر وحيد هو درب النار، على أنه الدرب الحارق الذي نجد فيه الأم تتقدم وتتردد، بين الرفض والانصياع، على الرغم من شعورها بفردانيتها المعلنة والأكيدة.     

والتي تقول بنغمة مأساوية: لسنا أكثر حرية من حركة الموج، الذي لا تتوقف أبدًا دورته، أو من النجوم ذات الأنوار الساحرة، التي تحتوي على طريقنا ومسارنا، أو من كتاب ماضينا المفتوح، ومن كتاب مُستقبلنا المُغلق،، وهي على حافة الاستسلام لعبور درب النار!.