جراب الحاوي

 

 

عائشة بنت أحمد سويدان البلوشية

 

يحكى في القصص القديم لتراثنا الجميل أنّ رجلا جاء إلى أهل بيته بجراب سح (كيس مصنوع من سعف النخيل مملوء بالتمر)، وقال لزوجته: هذا لرمضان، مرّت الأيام فإذا بطارق على باب الدار، وسأل عن رب البيت، فقالت له الزوجة أنّه ليس بالدار فمن نقول له إذا عاد؟ قال لها: بلغيه أنّ رمضان قد أتى، فرجته أن ينتظر برهة ريثما تأتي له بالأمانة، فاستغرب الرجل ووقف منتظرا حتى أتت تجرجر جرابا كبيرا، قالت: يا رمضان دوك (خذ) جرابك، فقد أتى به زوجي وقال لي هذا لرمضان، فحمله الرجل على دابته ورحل مسرورا، وعندما عاد الزوج إلى المنزل أخبرته الزوجة بما كان، فاستشاط غضبا لسوء فهمها، لأنه أتى بالتمر من السوق لإفطارهم في شهر رمضان، فأصبحت هذه الحكاية تروى لنا لتعلمنا التيقن قبل الإقدام على أي فعل قد تكون عاقبته غير مرجوة، وفي الجانب الآخر تأخذنا إلى الاستعداد لشهر الخير بشكل خاص، بأنّ نستعد له بالعمل الطيب والإكثار من الخير والنوافل، لأنّه لا يأتي إلا مرة واحدة في العام، فهو شهر راحة وروحانيات، يستريح فيه الإنسان بالأنس بالقرب من خالقه، ويبذل قصارى جهده للفوز بليلة هي خير من ألف شهر.

وكما ذكرت في المقال السابق أنّ لكل محطة بصمة، ورغم أنّ كل لحظة هي بمثابة محطة يمكننا أن نسجل فيها بصمة خاصة بنا، فها هو خالد السيابي -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- قد وضع بصمته العمانية في أعلى قمة في العالم، وكان أول عربي عماني يغرس العلم العماني هناك، ولم يذر محطة في حياته القصيرة المليئة بالعطاء إلا وبصمته واضحة، فملأ جرابه بالعطاء والخير وحب الوطن، أمّا نحن المقبلون على الحياة، لنا في كل عام محطة نقية ناصعة هي هذا الشهر الفضيل، فيتسابق الكثير منا بالقول والفعل ليرتقي إلى معارج القبول، فيحظى بالمحبة في أهل السماء، لتنطرح محبته في قلوب أهل الأرض، فكل منا يحضر جرابا خاصا به، على أمل أن ينفذ جميع ما فيه من خير ونوافل وقربى.

لكن هناك وللأسف من يتلونون كالحواة، فيحتوي جراب كل منهم على ألوان وأشكال النفاق والرياء، في القول والعمل والتواصل، ولكن يذكرهم هذا الشهر الكريم بأنّ بإمكانهم أن يقلبوا الجراب، ويفرغوا جميع ما فيه، ليتخلصوا من جميع الأدران والأقذار من الأخلاق البذيئة، ويعيدوا النقي والناصع إلى نفس الجراب، ويضيفوا إليه الجديد والجميل، ليصطحبوه معهم إلى آخر العمر، ومنه إلى الدار الآخرة، فلنغتنم الفرصة ونثبت أن كل جراب نحمله على ظهر كل منا يحوي الإخلاص والإتقان في القول والعمل، ولنعقد النية أن ذلك خالصا لوجهه تعالى، لأنّه تعالى يحب إذا عمل أحدنا عملا أن يتقنه.

 

--------------------------------

 

تو قيع:

"أبعينِ مفتقرٍ إليكَ نظرَتَني،،

فأهنَتني وقذَفتني من حالِقِ.

لستَ الملومَ أنا الملومُ لأنّني،،

أنزَلتُ آمالي بغير الخالق."

المتنبي.