خالد السيابي.. العظماء لا يموتون

حمود بن علي الطوقي

كُنت في مدينة الإسكندرية عندما اتَّصل بي، وعاود الاتصال، وألحق باتصاله رسالة واتسابية، يدعوني فيها للمشاركة بمشروع تطوير مصفوفة مؤشرات سوق العمل الوطنية؛ حيث كلف من قبل وزارة القوى العاملة لتنفيذ هذا المشروع الوطني.. اعتذرتُ منه لتواجدي خارج البلاد، وجدَّد دعوته بأن نلتقي فور عودتي، كما هي العادة لمناقشة بعض القضايا الوطنية.

نعم، هذه كانت إحدى مراسلات الصديق العزيز والملهِم الراحل المهندس المتميِّز والعلامة الفذ خالد بن سليمان السيابي، الذي انتقل إلى جوار ربه مساء يوم الأحد الموافق الثامن والعشرين من شهر أبريل الجاري.

رحل عنا باكرا، وترك خلفه العديد من الملفات الوطنية التي كانْ ينكبُّ عليها ليلا ونهارا. ويسابق الزمن لكي يقدم رؤيته وفكره وبصمته؛ حيث كان محل ثقة الجميع.

ودَّعناه في جنازة مهيبة ونحن نرفع الأكفَّ بالدعاء بأن يغفر الله العلي القدير لفقيد الوطن، وأن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

هذه هي إرادة الله؛ فقد عاش المغفور له -بإذن الله- 46 سنة حافلة بالإنجازات، وحياة حافلة بالعطاء في مختلف محطات عمره؛ فيتذكره زملاء الدراسة في المراحل المختلفة، ويتذكره زملاء العمل، ويتذكره الشباب العُماني المبدع الذي عمل تحت إدارته، كل هؤلاء وغيرهم عبَّروا عن حزنهم الشديد فور انتشار الخبر، واشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاج #خالد_السيابي_في_ذمة_الله ليتصدر المشهد في وسائط ومنصات التواصل، وعبَّر الجميع عن حزنهم الشديد في هذا المصاب الجلل.

نعم.. رحل فارسنا الملهِم، تاركا ذكرى طيبة لدى الجميع؛ فقد اشتغل خلال السنوات الماضية في محطات مهمة، وتحمل مسؤوليات كبيرة، وأدار هذه الملفات باقتدار، ليضع بصمته في كل موقع عمل، وكل فريق عمل تحت إدارته.

ما إن انتشر خبر وفاة الصديق العزيز والبطل العالمي في مجال تسلُّق الجبال، حتى انتشرت مقاطع وأخبار عنه، وسجل التاريخ العُماني الحديث أنَّ الشاب والمغامر خالد السيابي يعد أول عربي يتسلق قمة "إيفرست" سنة 2010، ليسجل بذلك اسم عمان في المحافل الدولية.

سيرة الراحل خالد السيابي جديرة بأن تُدرَّس، فهي بحق منهاج للتميز والإبداع والابتكار؛ فتتحدث سيرته الذاتية عن أنه عمل في بداية مشوار حياته بعد تخرجه في القطاع الحكومي في أجهزة متعددة لفترة من الزمن؛ حيث كان ضمن فريق -بل أحد أعمدته- في وضع تصور فكرة البوابة التعليمية التي نُفِّذت في العام 2006، وإدارة رحلة التحول الرقمي لوزارة التربية والتعليم.

كما أدار -رحمه الله- مشروع برنامج التحول الرقمي للحكومة العمانية، وكان يُسابق الزمن لأن يرى التحول إلى الحكومة الإلكترونية.. تمكن خلالها من تطوير خارطة الطريق للتحول الرقمي لعدد 58 مؤسسة حكومية، وذلك خلال فترة عمله بالهيئة العامة لتقنية المعلومات.

ولأنَّ طموحه كبير، وعطاءه وفير، فقد عمل أيضا ضمن فريق لإدارة المركز العماني اللوجستي، بل كان المشرف على تصميم خارطة الطريق للإستراتيجية اللوجستية العمانية، إضافة إلى المهام الكثيرة التي كانت تُرافقه فقد كان الرَّاحل يعمل باحثًا في جامعة كوفنتري في مجال الهندسة الإجرائية وتقييم الأداء والتحول المؤسسي ومحركات المستقبل، وإضافة لذلك فقد تعاقدتْ معه جهات خارجية؛ فمنذ عام 2016 وهو يعمل في جمهورية الهند كباحث في الاستثمارات الإستراتيجية.

الراحل خالد السيابي كان طموحه واسعًا، وكان يعمل على مدار الساعة، ولَم يتوانَ في خدمة البلد؛ فلديه سجل حافل في المجال البحثي، ولديه إسهامات بحثية وعلمية، فهو صاحب نظرية قياس الأداء المؤسسي باستخدام نموذج النضج، والتي نُشرِت عام 2014 في المجلة العلمية للأكاديمية الدولية للعلوم والهندسة والتكنولوجيا.

وترأس فرق علمية أشرفت على إعداد 4 تقارير رئيسية عن أداء مؤسسات حكومة سلطنة عمان للأعوام 2013، 2014، 2015، 2016.

وعندما تمَّ الإعلان عن رؤية عمان 2040، اختاره سعادة السيد سالم بن مسلم البوسعيدي -بصفته رئيس لجنة الحوكمة والأداء المؤسسي لرؤية عمان 2040- ليكون عضوًا في هذه اللجنة؛ حيث كان أحد أهم أعضائها؛ لما قدَّم من رؤى خلاقة أبهجت الجميع، إضافة إلى هذه المناصب القيادية فقد عمل كأحد أهم الأعضاء بالفريق العلمي للاستشراف المستقبلي وتصميم المؤشرات والمستهدفات.

كان طموحه أن يرى عُمان في المقدمة، وبذل في سبيل ذلك الكثير، وضحَّى بكل جهده ووقته لكي يسابق الزمن.

شاءت الأقدار أن يرحل عنا باكرا، ويترك ملفاته وأطروحاته مفتوحة، ورسم خارطة الطريق لكل مشاريعه، ولا شك أنه كان يعلم بموعد اقتراب رحيله، فقد أوصى خيرا لمن سيخلفه ليكمل المشوار.