القيمة المحلية المضافة.. تمكين وتوطين

حاتم الطائي

القيمة المحلية المضافة مفهوم حديث يحتاج إلى مزيد من البلورة والشمولية

منتدى عمان للقيمة المحلية المضافة يشكل نقطة انطلاقة نحو تمتين الاقتصاد الوطني

تجربة قطاع النفط والغاز رائدة.. وتعميمها يصب في مصلحة النمو الاقتصادي

 

يضع أي نظام اقتصادي جملة من الأهداف لتحقيقها، وعلى رأسها توفير المعيشة الكريمة للأفراد والمجتمعات، وهذا يتأتى عبر حزم من السياسات والاستراتيجيات والبرامج الداعمة للنمو الاقتصادي، والتي تتكاتف جميعها من أجل تحقيق ناتج محلي إجمالي يعكس حجم إسهامات مختلف القطاعات الاقتصادية فيه. وفي ظل ما يواجهه العالم مع تحديات اقتصادية وتلقبات، يحرص الاقتصاديون على ابتكار برامج وطرح رؤى اقتصادية تدعم عملية النمو وتسهم في تحقيق الغايات، والاستفادة من مكونات الأنظمة الاقتصادية.

وخلال السنوات القليلة الأخيرة، نشأ مفهوم جديد يستهدف الاستفادة من المقومات المحلية في أي نظام اقتصادي، وتمّ الاصطلاح على هذا المفهوم باسم "القيمة المحلية المضافة"، ورغم أنّ خبراء الاقتصاد لم يتفقوا حتى الآن على مصطلح جامع شامل حوله، إلا أنّ المعنى العام له يتلخص في كيفية الاستفادة من المقومات المحلية في المشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية، من خلال توجيه إدارات المشتريات في مختلف الشركات الكبرى إلى الأسواق المحلية، والعمل على إبقاء النفقات الاستثمارية داخل البلد، ما يضمن إبقاء هذه الاستثمارات داخل النظام الاقتصادي الوطني. ونشأت على إثر ذلك النهج، برامج مختلفة تحمل صيغ ومسمات متنوعة، لكن كلها تندرج تحت مفهوم "القيمة المحلية المضافة"، وتجتمع على أهدافها في توطين الخدمات المقدمة للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية، وتوفير فرص العمل للمواطنين، وكذلك إتاحة المجال أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من هذه الاستثمارات، في صورة تقديم خدماتها المختلفة بشتى الطرق.

لكن لا تزال هناك حاجة ماسة لتعريف أشمل وأوضح للقيمة المحلية المضافة، وتعظيم الاستفادة من هذا التوجه في توفير الوظائف ودعم النمو، فضلا عن تنظيم الجهود المبذولة في هذا السياق وتوحيدها في إطار مظلة عمل واحدة من حيث المعايير ومعدلات وأوجه الإنفاق، خاصة في قطاع النفط والغاز الذي يعد القطاع الرائد في تطبيق برامج القيمة المحلية المضافة، ولهذه الأسباب وغيرها ارتأينا في جريدة الرؤية- ومن منطلق نهج "إعلام المبادرات"، تنظيم "منتدى عمان للقيمة المحلية المضافة"، نجمع فيه الخبراء والمختصون على مائدة نقاش واحدة، كلٌ يسهم بأطروحاته وأفكاره للاصطلاح على هذا المفهوم، وتحويله إلى تطبيق عملي لا يقتصر فقط على قطاع النفط والغاز، بل يمتد إلى مختلف القطاعات الأخرى، والتي تقدم في واقع الأمر إسهامات كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعود بالفائدة والنفع على شبابنا في المقام الأول الذين ينخرطون في وظائف متميزة توفر لهم الاستقرار والتقدم الوظيفي، إلى جانب الفائدة الأكبر على اقتصادنا الوطني.

ومن خلال هذا المنتدى، نسعى للإجابة عن العديد على الأسئلة، منها: كيف يمكن تنظيم برامج ومشاريع القيمة المحلية المضافة؟ هل سيكون هذا التنظيم ميسرا ودافعا لمزيد من العطاء أم قد يعرقل الجهود والمشاريع القائمة؟ ما الذي يمكن أن يدفع الشركات للمساهمة في هذا النوع من البرامج طالما أنّها تجد حاجتها عبر الاستيراد والشراء المباشر من الخارج؟

الإجابة تتلخص في جملة واحدة: تحقيق القيمة المحلية المضافة، والتي من خلالها سنشهد مزيدًا من التوظيف لشبابنا، ونموا في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وانتعاش حركة التجارة المحلية، ومن ثم سينتج عن ذلك نمو ملحوظ في الأنشطة العقارية مع توجه الشباب- بعد التوظيف- إلى الاستقرار والرغبة في بناء أو شراء منزل، وكذلك سنشهد زيادة في مستوى جودة الخدمات المقدمة، ومن ثم تدور العجلة الاقتصادية دون توقف، في إطار ديناميكي يعزز نمو جميع القطاعات.

الحديث عن القيمة المحلية المضافة يستدعي الإشارة إلى ما يسهم به قطاع النفط والغاز في ترسيخ هذا المفهوم الاقتصادي، فما أحدثته برامج القيمة المحلية المضافة في عدد من الشركات النفطية، مثار فخر لنا جميعا، ويمكن أن تكون هذه البرامج نموذجا يحتذى به في القطاعات الأخرى، فما تحقق من إنجازات كفيل بنقل التجربة إلى قطاعات السياحة والصناعة والصحة والتعدين، وغيرها. وأول فائدة استطاعت برامج القيمة المحلية المضافة أنّ تحققها تمثلت في توطين الخدمات وتطوير قدرات السوق المحلية، عبر تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تقديم خدماتها بجودة عالية، وهذا بدوره ساعد في ظهور شركات جديدة عاملة. ففي قطاع النفط ازداد عدد الشركات العاملة في الخدمات المساندة ومعظمها مؤسسات صغيرة ومتوسطة، نجحت في أن تلتزم بالجودة المطلوبة وأن تقنع الشركات الكبرى بتفضيلها في مشترياتها المحلية، وبذلك حافظت الدورة الاقتصادية على قسط كبير من استثمارات هذه الشركات والإبقاء عليها داخل الاقتصاد المحلي. كما أسهم هذا النموذج في تشجيع المجتمعات المحلية على إنشاء شركات أهلية، وهنا أتحدث بصفة خاصة عن تجارب مناطق الامتياز، حيث ضربت هذه المجتمعات نموذجا اقتصاديا فريدا يقوم على مبدأ التعاون والشراكة لدعم النمو الاقتصادي في منطقتهم، وأيضا تعزيز حرصهم على إنجاح المشروعات الكبرى، مثل مشاريع النفط، من خلال إشراكهم في هذه المشاريع، ليس فقط عبر توظيف أبنائهم بل وتحقيق أرباح تساعدهم على توفير حياة معيشية أفضل وتوسيع قاعدة استثمارات هذه الشركات الأهلية.

أضرب هنا مثالا بشركة تنمية نفط عمان التي أعلنت قبل ست سنوات عن استراتيجية شاملة للقيمة المحلية المضافة، تستهدف من خلاله إنفاق 64 مليار دولار وضخه في اقتصادنا الوطني، وهذا من شأنه أن يسهم في خلق 50 ألف فرصة عمل للمواطنين، بجانب العشرات من فرص الأعمال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومن المقرر إنجاز هذا البرنامج بالكامل بحلول العام المقبل 2020. هذا النموذج الرائد يمكن أن يُعمم بصورة أوسع على مختلف القطاعات، وفق آليات وبرامج تضمن التطبيق الصحيح والتقييم السليم للنتائج المتحققة.

ومثل هذا التطبيق سيعزز تطور قطاعات اقتصادية أخرى، فالقطاع السياحي الواعد قادر على تقديم قيمة محلية مضافة من خلال توجيه برامج المشتريات لديه نحو السوق المحلي، فهناك العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة القادرة على تزويد الفنادق- مثلا- بما تحتاج إليه من منتجات وخدمات، دون الحاجة لاستيرداها من الخارج، أو التعاقد من شركات في دول الجوار لكي تستورد منها الحليب والعصائر! في وقت يستطيع المُنتِج المحلي تزويد الفندق بهذه المشتريات. لكن أيضا أرى أنه من الضروري توسيع نطاق مفهوم القيمة المحلية المضافة ليشمل الاستفادة من الأصول المادية التي تتوافر في بلادنا، فمثلا النزل السياحية تمثل قيمة محلية مضافة إذا ما تم توظيف ما تمثل من قيمة تراثية واقتصادية، فهذه النزل تستطيع أن توفر العديد من الوظائف للشباب العماني، من خلال الاستفادة من الحارات القديمة والمواقع الأثرية والتراثية لبناء نزل سياحية، تخدم الاقتصاد والبيئة على حد سواء، نظرا لما لأنه تقام وفق معايير صديقة للبيئة.

إنّ الحديث عن تمكين القطاع الخاص يتأتى من خلال مثل هذه المفاهيم المتقدمة وآليات العمل المعززة للإنتاجية، فالقيمة المحلية المضافة يمكن وصفها بأنها القوة المستقبلية الدافعة لنمو القطاع الخاص بأكمله، وليس فقط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولذا نعول الكثير على منتدى عمان للقيمة المحلية المضافة في أن يكون رافدا معرفيا لدعم تطور ونمو وتمكين القطاع الخاص، كما ننشد أن تقدم مؤسسات الدولة التسهيلات اللازمة من أجل تطبيق هذه البرامج، عبر حزم تحفيزية تتضمن تسهيل الإجراءات وتيسير التمويل الذي تحتاجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بهدف تلبية متطلبات ومعايير الشركات الكبرى التي ستطبق برامج القيمة المحلية المضافة.