مؤتمر لجان الغرفة السنوي الأول بالبحرين

 

 

عبيدلي العبيدلي

 

في مُبادرة غير مسبوقة دعت غرفة تجارة وصناعة البحرين إلى المؤتمر السنوي الأوَّل للجان، الذي تعد له، وبشكل مُستقل كل لجنة من لجان الغرفة على حدة. ويحق لكل عضو من أعضاء الغرفة حضور جلساته، وفقاً للجنة التي ينتسب نشاط شركته لها.

في البدء، ودون الانتقاص من مجالس إدارة الغرفة السابقة، حيث ساهم كل في دورته، بما كان في وسعه أن يقدمه للمُجتمع التجاري البحريني، ينبغي الإشادة بهذه الخطوة التي تعد فريدة من نوعها، ليس على مستوى البحرين فحسب، بل ربما على الصعيد العربي أيضًا. وتكمن أهمية مثل هذه المبادرة في كونها تؤسس لمجموعة من الإجراءات التي لا تقتصر على الجانب التجاري، أو الاقتصادي فحسب.

فعلى الصعيد السياسي، ينبغي النَّظر لهذه الخطوة، كونها مسعى سليماً لتعزيز الديمقراطية داخل المؤسسات المجتمعية، وترسيخ ممارسات قيمها. وهذا من شأنه، نشر السلوك الديمقراطي على نطاق شعبي، وفي صفوف أهم فئات المجتمع حضورا في المشهد السياسي، على طريق تهيئة المجتمع البحريني برمته كي يلج هذه التجربة، ومن أوسع أبوابها التي يُمكن لها أن تترك بصماتها واضحة، متى ما كتب لها الاستمرار والنجاح، على مسيرة العمل الديمقراطي البحريني.

أما من الزاوية المجتمعية، فيتجسد هنا تطبيق ملموس لقيم ومفاهيم منظمات المجتمع المدني، والغرفة من بين الأهم عندما يجري الحديث عن البحرين. إذ تعتبر غرفة تجارة وصناعة البحرين التي تأسست في الثلاثينات من القرن الماضي من أعرق منظمات المجتمع البحريني، وأكثرها ديمقراطية، عندما يتعلق الأمر بآليات الأنشطة التي تمارسها كمؤسسة.

وحين ننظر لهذه القضايا من الناحية المهنية، سوف نكتشف أنها تنشط شرايين العمل المجتمعي السليم ليس في جسد الغرفة فحسب، بل في كيان المجتمع التجاري برمته. فمد قنوات التواصل بين مجلس الإدارة ولجان الغرفة، وتجاوز ذلك كي يصل مباشرة إلى الأعضاء ممن شاركوا في ذلك المؤتمر الأول، يعني، فيما يعنيه، وضع أسس تمكين مجلس الإدارة من التعرف على هموم مكونات المجتمع التجاري البحريني، وتلمس مشكلاته، ومعرفة نجاحاته أيضًا، ومن ثمَّ وضع الحلول السليمة الناجحة القادرة على معالجة مواطن الألم، وتعزيز مكامن النجاح والمكاسب.

على أرضية هذه المقدمة المقتضبة ننتقل إلى ما جرى في كواليس ذلك المؤتمر العلني، الغني بشفافيته، وسوف تقتصر المُعالجة هنا على ما دار من نقاشات داخل ردهات لجنة التكنولوجيا، كونها التي شارك الكاتب في جلساتها.

توقفت نقاشات من حضروا جلسة اللجنة مطولاً أمام الورقة التي استعرضها رئيس اللجنة د. أسامة البحارنة، والتي تستحق أن نعرج عليها كونها تناولت موضوعاً في غاية الأهمية وهي "منصات التجارة الإلكترونية"، وموضوع المنصات شائك، ومعقد كونه يتطرق إلى القضايا التالية:

  • التحديات التي تثيرها مسألة بناء مثل هذه المنصات على المستويات التشريعية والقضائية، وهي مسألة لا ينبغي استسهالها، ولا التقليل من حجم كلفتها، إذ ما زال العديد من البلدان النامية والأسواق الناشئة غير مؤهلة، من النواحي التشريعية، لتشييد هذه المنصات وتشغيلها، نظرا لما يتطلبه ذلك من نظام تشريعي مُتكامل، قادر على الانتقال التدريجي، التطويري، السلس، غير المؤذي للاقتصاد الوطني من جانب، وغير المرهق مالياً من جانب آخر.
  • العقبات الكأداء المنطلقة من خلفيات تولدها ذهنية  الفئات المجتمعية التي ستطالها التحولات التي ستفرزها أنشطة منصات التجارة الإلكترونية عند انطلاقها. وهي عقبات من الخطأ الاستهانة بها، أو التقليل من المشكلات التي ستتمخض عنها. فحتى يومنا هذا ما تزال نسبة لا يستهان بها من مكونات المجتمع التجاري البحريني، لم تتمكن من غرس قيم، ومُمارسات، وسلوكيات التجارة الإلكترونية مكان تلك التي تسير أعمال التجارة التقليدية.
  • صعوبات الخيارات الفنية والتقنية، بما فيها تلك المتعلقة بالبنية التحتية الضرورية التي ستواجه أصحاب القرار تحديدهم مواصفات وأجهزة تلك المنصات. قد تبدو الأمور سهلة، لكنها خلاف ذلك. فأي قرار يتخذ في هذا الشأن، سيترك بصماته، السلبية أو الإيجابية، على مسار الاقتصاد البحريني خلال نصف القرن التالي لتشغيل مثل تلك المنصة، التي شيدها ووضع مواصفاتها الفنية مثل ذلك القرار، الذي سوف يمس صلب بنيان المجتمع التجاري البحريني.
  • الإجراءات اللاحقة لتشييد أي من تلك المنصات القادرة على مد قنوات الاتصال والتفاعل بين شركات القطاع الخاص، ومؤسسات الدولة. الأمر هنا لن ينحصر في المعاملات والإجراءات الإدارية والرقابية، رغم الثقل الذي ستحظى به كلتاهما، وإنما سيتجاوز ذلك كي يصل إلى تلك المتعلقة بالبيع والشراء بين القطاعين، اللذين سيجد كل منهما أنَّه مطالب بإعادة هيكلة أنشطته كي يتم ذلك بالسلاسة المطلوبة، وفي الحيز المتاح.
  • مواصفات قنوات التعامل مع الجهات الإقليمية، وخاصة الخليجية منها ذات العلاقة بالمعاملات التجارية عند انطلاق عمل وأنشطة مثل تلك المنصات التجارية بخلفياتها الإلكترونية.

كل ذلك لا يعني إطلاقاً وضع العصي في عجلات الانتقال من ممارسة التجارة في نطاقها التقليدي، الذي يبقى ضيقاً مهما اتسع فضاؤه، إلى رحاب التجارة الإلكترونية التي هي مُقبلة علينا، شئنا أم أبينا، ولا نستطيع صدها، إو إدارة الضهر لها. لكن المطلوب، بالمُقابل أن تكون التهيئة سليمة، والولوج سلساً، والنتائج ليست وخيمة، بل مشجعة. وتحقيق كل ذلك يتطلب الآتي:

  1. إشراك المجتمع التجاري، وفق خطة مدروسة، وإجراءات محددة في كيفية التحول من الواقع التجاري التقليدي القائم، والمقبل على التراجع، إلى ذلك الإلكتروني القادم بزخمه الذي لا يستطيع أحدٌ أن يقف في وجهه أو صده.
  2. تشكيل لجنة، تقتصر عضوية أفرادها على أولئك الذين يتمتعون بالخبرة الضرورية، والاختصاص اللازم، كي تناط بها مهمة إعداد دراسة تفصيلية مُتكاملة، تتضمن، فيما تتضمن، جدولاً زمنيًا يشمل الخطوات العلمية، والعملية التي ترافق بناء مثل هذه المنصة على النحو الأفضل.
  3. التوازن الحقيقي القادر على الوصول إلى المعادلة السليمة المجدية بين التريث المطلوب، والسرعة الضرورية، التي تحقق بناء هذه المنصة التجارية الإلكترونية، وفقًا للمواصفات الفنية والتقنية الملائمة.