الإصلاح الاقتصادي في دول الخليج

علي الرئيسي

الإصلاح الاقتصادي في الخليج موضوع شائك ومتشعب ولا يمكن استيفاء حقه في مقالة كهذه. كما أنه موضوع معقد، معقد لاختلاف الآراء حوله، واختلاف الناس كل حسب موقعه ومصالحه الآنية من مسالة الإصلاحات.

ولا بُد لنا في البداية من "الضبط الدلالي"- حسب تعبير د. يوسف زيدان- بمعنى ماذا نقصد بالإصلاح الاقتصادي؟ فالمقصود بالإصلاح الاقتصادي، هي السياسات التي تستهدف تحقيق الكفاءة الاقتصادية، وإزالة أو خفض التشوهات في قطاع معين أو الاقتصاد بشكل عام، وذلك بإصلاح السياسات الاقتصادية كالسياسات الضريبية، واتخاذ سياسات تحقق التوازن في الميزان الحكومي والميزان الخارجي.

إنّ تحسن أسعار النفط في الآونة الأخيرة، قد أسهم في تحسن نسبي في الوضع المالي ووضع ميزان مدفوعات دول الخليج، غير أن معظم التحليلات تشير إلى أنّ هذا التحسن قد يكون قصير الأجل. فقد خفض صندوق النقد الدولي من توقعاته حول النمو العالمي حيث توقع أنّ النمو العالمي سيتراجع إلى ٣.٣٪ في عام ٢٠١٩. وحسب البنك الدولي فإنّ النمو الحقيقي للناتج المحلي لدول مجلس التعاون سيبلغ ٢.١٪ في ٢٠١٩، وسيرتفع إلى ٣.٢٪ في عام ٢٠٢٠. أما العجز في الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي فسيبلغ ٣.٢٪ في ٢٠١٩ وسينخفض إلى ٢٪ في عام ٢٠٢٠ اما في عام ٢٠٢٠، فسيبلغ ١.٦٪ بالنسبة إلى الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي فمن المتوقع أن يبلغ ٦،٢٪ في عام ٢٠١٩ وأن ينخفض بنسبة َضئيلة ليصل ٥.٩٪ في عام ٢٠٢٠، بينما سيرتفع إلى ٦.٤٪.  والجدير بالذكر هنا أنّ عمان والبحرين ستسجل مستويات أعلى في العجز المالي وعجز الحساب الجاري.

لقد اتخذت دول الخليج سلسلة من الإصلاحات المالية وخاصة من ناحية خفض العجز المالي الحكومي. فقد تمّ إصدار وتطبيق قانون الضريبية المضاعفة في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين. كما تمّ تطبيق ضريبة السلع المستثناة في كل من البحرين والسعودية والإمارات وتنوي عمان تطبيقه قريبا. تمّ رفع الدعم عن الكهرباء والمياه وكذلك المحروقات في كل دول المجلس. كما قامت دول الخليج جميعا بالاقتراض من السوق العالمية وذلك بإصدار السندات الدولية هذا بالإضافة إلى الاقتراض المحلي، مما تسبب في خفض التصنيف السيادي لهذه الدول بنسب متفاوتة.

أحد أهم التحديات التي تواجه دول المجلس مجتمعة هو حال سوق العمل. حيث يوجد حسب الدراسات الصادرة سوقان موازيان للعمل، سوق للمواطنين وسوق آخر للوافدين. وتنظم هذين السوقين قوانين مختلفة، فعلى سبيل المثال هناك حد أدنى للأجور للعمالة الوطنية بينما لا يوجد في معظم دول المجلس حد أدنى للأجور للعمالة الوافدة، كما أن القوانين الخاصة بالتوظيف وإنهاء التعاقد غير مرنة. مع انخفاض الدخل الحكومي نتيجة لانخفاض الأسعار ونظرا للتوسع في التوظيف الحكومي في السنوات الماضية باتت الحكومات في المنطقة غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المواطنين الباحثين عن وظائف في القطاع العام والذي بطبيعته لا يزال جاذبا للعمالة الوطنية. لقد قامت الحكومات بتشديد إجراءات منح وتجديد رخص جلب العمالة الوافدة وفرضت رسوما عالية، واتخذت إجراءات لتوطين العمالة في القطاع الخاص، غير أن هذه الإجراءات لم تلاقي استجابة حقيقية من القطاع الخاص، خاصة أنّ القطاع يعاني من تباطؤ في النشاط الاقتصادي وضعف في إنتاجية العمالة الوطنية وكلفتها أعلى من العمالة الوافدة. إنّ تباطؤ الاقتصاد أكثر مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية، وهجرة العديد من العمالة الوافدة ضاعف من الكساد الاقتصادي. فحسب إحصاءات نشرتها بنوك عالمية إلى انخفاض شديد في إشغال الفنادق في دبي، وإلى نزول حاد في السواح الأجانب، وانخفاض حاد في الإيجارات كما تشير إلى تباطؤ في الائتمان الممنوح للقطاع الخاص في معظم دول الخليج.

تمتع المصارف الخليجية بوضع مريح للسيولة، وتعتبر كفاءة رأس المال عالية، كذلك تمتلك دول الخليج موجودات واستثمارات لا بأس بها في صناديقها السيادية، وبإمكانها من استخدام هذه السيولة في تخطي العجوزات المتراكمة حتى الآن، إلا أنّ ضعف النمو وتعثر الإصلاحات يعتبر من المخاطر والتحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة منذ بداية تصدير النفط. كما أن الانغلاق السياسي وعدم إعطاء زخم أكبر للمشاركة الشعبية يقلل من فرص نجاح هذه الإصلاحات.

إنّ فرض المزيد من الضرائب والرسوم يجعل من المطالبة بالشفافية والحوكمة السليمة في الإنفاق الحكومي وإدارة المؤسسات العامة أمر لا مناص منه. ولإعطاء السوق مرونة أكبر في تخصيص الموارد، يتطلب إيجاد مظلات كفوءة للأمن الاجتماعي.