علي بن سالم كفيتان
تناولتْ وسائل الإعلام المختلفة تصريحات معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بنَهَم كبير، خلال الأسبوع الماضي، وتصاعدتْ اللهجة بين مستنكرين وشامتين وهم كُثر، وبين مؤيدين لما قاله الرجل، في حين ظل الكثير حائرين في تفسير هذه التصريحات التي صنَّفت القضية الفلسطينية على أنها مُشكلة منح ثقة للجانب الإسرائيلي أكثر من أي شيء آخر؛ بهدف دفعهم لمنح بعض التنازلات على الأرض.
قد يكون ذلك صحيحا من واقع ما يعرفه معاليه ولا يعلمه عامة الناس، لكنه بلا شك كان فاجعاً وصادماً لمن تعودوا على السياسة العمانية التي تحبذ التريث في مثل هذه الملفات الشائكة. لقد أوضح معالي السيد أمين عام وزارة الخارجية أنَّ تصريحات بن علوي فُهِمت خطأ، وهو أقرب المقربين إلى الرجل، وبيَّن أنَّ عُمان ملتزمة بحل الدولتين، وتعمل بجد لنيل الشعب الفلسطيني كل حقوقه، وفي مقدمتها دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لكن السؤال هنا: لماذا هذا الموقف أصلاً إذا كان غير واضح؛ مما يضطر المسؤولين بذات الوزارة لتبريره، بعد أن طارت الرُّكبان بالخبر إلى كل أنحاء الدنيا؟ فمهما كانت المصارحة فلا يجب أن تكون جارحة، وإذا اختلت البوصلة فيجب إصلاحها سريعاً لكيلا نذهب بعيداً وننضم لقافلة التائهين.
لا أحد يُكابر على حِنكة معاليه ورجاحة عقلة؛ فالرجل كان ولا يزال المُعبر عن السياسة الخارجية المتزنة للسلطنة، التي يقودها بحكمة مولانا جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- ولو افترضنا أن هناك واقعا جديدا ستنتهجه السلطنة في هذا الملف أو غيره، فواجب أن تكون هناك مقدِّمات لا صدمات؛ فالعُمانيون شعب تحكمه العاطفة مثله مثل بقية الشعوب العربية والإسلامية، ولم نصل بعد لدرجة التجرد، ومثلما ننشد إصلاح الخارج وحل الخلافات في الإطار الإقليمي والدولي، فيجب أن نضع حسابا للداخل، فهناك من يرى أنَّ هذه التصريحات تسببت في حالة من عدم الوضوح بشأن الموقف العماني إزاء القضية، والذي اتَّسم منذ نصف قرن بالعقلانية المتزنة والنأي بالنفس عن الصراعات، ومن هنا أصبح لهذه السياسة أيقونة يعرفنا بها الناس في هذا الكون.. فما الذي تغير؟!
ومن نافلة القول أن نشير للاختلاف في التصريحات؛ ففي الوقت الذي أطلقت فيه من البحر الميت وتمَّ توضيحها خلال حفل لجامعة الشرقية على لسان معالي السيد أمين عام وزارة الخارجية، كان سعادة رئيس مجلس الشورى العُماني يصدح بخُطبة عصماء من على منبر البرلمان الدولي المنعقد في الدوحة، بيَّن فيها دون أدني شك موقف الشعب العُماني مع القضية الفلسطينية. وهنا نعود لنتساءل: هل موقف الشعب مختلف عن الموقف الرسمي؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فهذه متلازمة جديدة لم نعهدها من قبل، ولا شك أنها رسمت صورة مغايرة لما كان عليه الوضع. فهل المرحلة تتطلب هذا النوع من تنوع الآراء؟ ربما، وهل مجلس الشورى استطاع أن يمتص ردود الفعل التي اتسمت بالاستياء؟ على كلٍّ نعتقد أن سعادة رئيس مجلس الشورى كان هو كذلك على غير طبيعته الهادئة المعتادة في جلسات مجلس الشورى مع أصحاب المعالي الوزراء، وبيَّن أنه خطيبٌ مفوَّه، وأن لدينا منافسا غير تقليدي لغانم المرزوقي رئيس البرلمان الكويتي.
وأخيرا.. وعلى جانب ليس ببعيد، ما زلت أذكُر رأي فضيلة الدكتور الشيخ كهلان الخروصي في برنامجه الأسبوعي تعليقا على ما ذهبت به تصريحات عن أحقية اليهود، وأنهم مكوِّن قائم في الجزيرة العربية، فقد بيَّن فضيلته أن هذه القضية ليست صحيحة، وأوضح ذلك بالدلائل والبراهين، ولا شك أن المشاهد لتلك الحلقة يجد فيها استنكارًا واضحاً لمن يمثلون النظرة الدينية في السلطنة، واستطاعوا بحنكتهم أن يجعلوا من البلد رمزًا للتسامح.