شرقي أنا .. قصة قصيرة


 رحاب عمر | مصر        

وضعت فراشى  وأمتعتى جوار قبر جديد، كانت الأرض طرية، ولينه من أثر عملية الدفن التى  انتهت منذ عدة ساعات، الأمر مخيف لكن الذى خفف وطأة التوتر هو أننى لم أكن أشد خوفا من المتوفى الذى جاء لتوه ،على الأقل أنا فوق الأرض وهو تحتها.. أنا أتنفس وهو مكتوم، يصاحبنى   القمر،  وتركله الوحشة.. أحاول أن أتدثر ببعض الإيمان واليقين الإلهي.. الله موجود وكفى ...
لا أستطيع  رغم كل التطمينات  أن أغمض عيني ، وأنا بين عالم موحش وصامت، هدوءه يثير الضجيج بخاطرى،  أقل صوت قادم من عمق الوحشة  يحفز خيالي اللعين،  وكأن أحدهم سينقض عليّ  قاضماً قلبى،  أو فاقعاً عينى  أستعذ بالله وأتذكر من سبقونى  فى مرافقة الموتى،  ممن اضطرتهم الظروف للاختباء مثلى..  كان على فقط أن أتخيل ما يمكن أن يحدث لى  لو تم القبض علىّ حتى أتمكن من الرحيل فى جوف النوم دون خوف، أو ألقى نفسى حتى  على حافة البرزخ فهو أهون كثيراً.. حتى بدأت فى النعاس  قابضا على خوفي ،  وكانت   أبوابه  مشرعة أصلا، بعد يومين من الهروب والجري وراء التستر صوت بكاء يقطع خطاً فاصلا ويخترق نومى، وأنا أتمسك بخيط اللا وعى الذى يجوب عقلى .  يقترب الصوت  يعلو و  يعلو أكثر وأنا أطُرد من رحمة النوم  لأوقظ  مفزعاً .. وأبحث حولى عن مصدر  البكاء ، وكأن البكاء من عالم آخر اقترف  اتصالا ما  بعالمى اقتربت - زاحفا بغطائى  - من القبر ..  إنه الميت يبكى.. هو الميت لقد تأكدت من مصدر الصوت ..
ارتعدت .. خيل لى أن أقوم وأنقذ الميت من محاكمة قاسية، إلى  أن تجلى الصوت المخنوق  يستغيث، قائلا اقسم أنى  بريئ، ثم يقال له : ولما كنت هناك؟  
يرد قائلا: كنت أصلى الجمعة،  اسألوا الله!
تصورته  يحاسب كما علمنا.. هى الملائكة وهو الميت ثم لا ألبث ان أسمع صوت الضربة التالية وصوت جاحد يقول:
أتسخر منا يامقبور؟!
ثم صوت صراخ يثقب أذن  الحياة،  ويوقظ  الوجع بالموتى .. وطرق  يبت صرعاً فى أنحائى قائلا: أهكذا يحاكمون الموتى.. وأسئلة حيرى أصبحت تتعارك فى عقلى !  هذا الذى بالأسفل أهو ميت أم  ام هارب من الحياة يحتمى  حسرة بالظلمة وكيف استدل عليه المدعون ولم يرونى وأنا فى الأعلى وهو أسفل ؟ وساورنى الشك أكثر، وبدأت أنظر فى عيون  المارين أمامى من أراهم ولا يرونى فاخرا  متفاخرا بموتى الذى تفاجئت به.

 

تعليق عبر الفيس بوك