إعلان ترامب ضم الجولان: ما أشبه الليلة بالبارحة

 

عبيدلي العبيدلي

باستثناء رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو، الذي رحب بالخطوة الأمريكية الناجمة عن توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلاناً باعتراف واشنطن "بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل من سوريا عام 1967، وضمتها عام 1981"، واجه ذلك الإعلان تنديدا عربيا وعالميا، بل وحتى رفضا من مؤسسات دولية ذات علاقة مثل الأمم المتحدة، التي جاء على لسان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك "أن الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس وضح بأن وضع الجولان لم يتغير، (مضيفاً أن) سياسة الأمم المتحدة بشأن الجولان انعكست في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وأن تلك السياسة لم تتغير".

على نحو مواز أدان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط الإعلان الأمريكي "بأشد العبارات معتبرا أنه باطل شكلا وموضوعا، (مضيفاً أن الإعلان) يعكس حالة من الخروج على القانون الدولي روحًا ونصاً تخصم من مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بل وفي العالم، (مكتفيا بالتشديد على أن) الجامعة تقف بقوة وراء الحق السوري في أرضه المحتلة، وهو موقف يحظى بإجماع عربي واضح وكامل، وستعكسه القرارات التي ستصدر عن القمة المرتقبة في تونس".

من جانبها حذرت موسكو، حليفة النظام السوري من احتمال اندلاع "موجة توترات جديدة في الشرق الأوسط بعد الخطوة الأمريكية".

في الوقت ذاته بادر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، إلى التنديد بالقرار الأمريكي بشأن الجولان، منوهًا إلى أنه "أمر يستحيل على بلاده قبوله، وأنها ستتخذ إجراءات ضده، بما في ذلك في الأمم المتحدة". دون أن يُحدد طبيعة تلك الإجراءات.

قائمة طويلة، لها بداية ولا تمتلك نهاية، تلقاها ذلك الإعلان الأمريكي، التي رغم إجماعها على "الاستهجان، والشجب، والتنديد"، لكنها جميعاً من دون أي استثناء خلت من مشروع عملي ملموس يتولى الرد عليه، اللهم إلا إذا اعتبرنا القصف الصاروخي من غزة على تل أبيب هو الرد المُتواضع على قرار خطير بهذا المستوى.

يثير الإعلان الأمريكي، وردود الفعل العربية والعالمية عليه مجموعة من الصور المتلاحقة التي تتزاحم أمام الذهن العربي وهو يتابع مسلسل الإعلان والردود، تتقدمها الصورة التقليدية العربية التي لم تتوقف، منذ الاغتصاب الصهيوني لأرض فلسطين، لكنها لم تتجاوز الشجب اللفظي، والتنديد الإعلامي، المصحوبين بقائمة من التبريرات غير القادرة على الوقوف في وجه الحقائق الدامغة التي تكشف العجز العربي، أمام العربيدة الصهيونية. الحالة الاستثنائية العربية الوحيدة، كانت إبان حرب أكتوبر 1973، والقرار التاريخي الذي خرجت به قمة الجزائر التي استخدم فيها النفط العربي كسلاح في معارك الصراع العربي – الإسرائيلية. ومهما قيل، ويمكن أن يقال بشأن ذك القرار، إلا أنه شكل حينها رافعة تاريخية في موازين قوى الصراع العربي - الصهيوني.

لكن بعيدًا عن اجترار تاريخ ذلك الصراع، وتجرع مآسيه ولوعاته، يتطلب الإعلان الأمريكي، وقفة عربية جريئة مع النفس، تطرح تساؤلاً في غاية الأهمية وهو، لنفترض جدلا أن الرئيس ترامب لم يجرؤ على إعلان ذلك الضم، فهل سيغير ذلك من الواقع على الأرض، وهي أن أراضي الجولان، مستباحة منذ احتلالها في العام 1967، وضمها عام 1981، وأن الأنظمة العربية، وفي مقدمتها تلك التي تصف نفسها بقائمة من النعوت: "الثورية، والتقدمية، والجمهورية... إلخ"، لم تغير من ذلك الواقع قيد أنملة. بل على العكس من ذلك تمامًا، وجدناها تصادر حريات شعوبها، وتحكم بالسلاح والنار، تحت شعارات أثبت التاريخ خواءها من محتواها الذي تدعيه.

ما يحدث اليوم، شبيه تمامًا بما حدث البارحة، سواء عندما احتلت العصابات الصهيونية، على مرمى من أعين قوات الانتداب البريطانية، أو عندما فرض الانتصار الصهيوني على العرب الرضوخ لما اغتصبه من أراض عربية، ليست الجولان سوى جزء منها، أو كما حصل مؤخرا، وقبل إعلان ضم الجولان، عندما وافقت واشنطن على نقل سفارتها إلى القدس، كعاصمة للكيان الصهيوني، ضاربة عرض الحائط بكل العهود والمواثيق، والقرارات الدولية بشأن القدس.

لم نسأل، نحن العرب أنفسنا مجموعة الأسئلة التي ينبغي أن تسبق اتخاذ أي موقف تجاه الإعلان الأمريكي، ولعل أبسطها، وربما أكثرها سذاجة هو: لماذا يقدم رئيس أقوى دولة في العالم اليوم على مثل هذا الإعلان، رغم المصالح الضخمة التي تربط واشنطن بأكثر من عاصمة عربية؟

ينبغي هنا التحذير من اجترار مقولات أكل عليها الدهر وشرب، وهي ان إسرائيل هي الأقوى عسكريا، أو أن المصالح المشتركة الأمريكية – الصهيونية، تفوق، وهو أمر ليس دقيقا، في حجمها ومستواها الاستراتيجي، نظيرتها من المصالح العربية – الأمريكية.

هناك أسباب، ترافقها أهداف، علنية ومكشوفة، وأخرى مبطنة ومستورة تقف وراء الإعلان الأمريكي، النابع أصلا من المصالح الأمريكية البتة، بعيدا عن تلك التي تروج لها أجهزة الإعلام العربية، الرسمية منها وغير الرسمية.

وما لم يصل العرب إلى جوهر تلك الأسباب، ولب دوافعها، فمن غير المتوقع، بل من غير العلمي، أن نتوقع أن أية خطة عربية لمواجهة ذلك الإعلان تملك أي حظ من النجاح.

ليس هناك من ينكر أن ترامب، هو أكثر رئيس أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة إثارة للتساؤل، بل وحتى الجدل بفضل تصريحاته، أو تغريداته، بل وحتى سياساته.

لكن ذلك لا ينفي أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وأن هامش البصمات التي يتركها أي رئيس على صفحة السياسات الخارجية، أو الداخلية ضيق، مهما امتلك من الجرأة. ومن ثم فما يقدم عليه ترامب هو محصلة تعكس موازين القوى داخل المؤسسة الأمريكية، سوى تلك التي في البيت الأبيض أو تلك التي تمارس دورها من خارج أروقته.

ما يحصل اليوم، يذكر من لا يزال عائشا من أجدادنا، وشهد اغتصاب فلسطين، ويذكر الأجيال التي جاءت بعد ذلك، بهزيمة 1967، واجتياح لبنان في العام 1982، وضرب المفاعل النووي العراقي في العام 1981.

سلسلة طويلة من الانتهاكات الصهيونية للمواثيق الدولية، تجرعها العرب، واكتفوا، تماماً، كما نشاهد، ونقرأ اليوم، بالتنديد الشديد، والشجب "الحازم"، الذي لا يغير من موازين القوى، ولا يترك أي أثر ملموس على أرض الواقع، ولا يُبدل من موازين القوى.

أليس من العدل، مصارحة النفس كي نتحاشى ما سبقنا إلى قوله الشاعر طرفة بن العبد في سجنه حين قال :

أسلمني قوم ولم يغضبوا لسوأة حلت بهم فادحة

كم من خليل كنت خاللتُهُ، لا ترك الله له واضحة

كلهم أروع من ثعلب ما أشبه الليلة بالبارحة.