كم رصيدك في بنك العواطف؟!


يوسف العطار | مسقط
استشاري تربوي ومدرب تنمية بشرية

مرت علينا في سنوات دراستنا كثير من المواقف التي لا زالت محفورة في ذاكرتنا ونستطيع الرجوع لها بسهولة وكأنها وضعت في رف قريب. ومن هذه المواقف مواقفنا مع الأصدقاء في الفصل وكذلك مع معلمينا، والغريب أننا لا نتذكر من هذه المواقف أي معلومات تم طرحها، أو مهارات اكتسبناها منهم، ولكننا نتذكر جيدا أنهم كانوا باختصار لطفاء ومهذبين معنا، أو العكس.
وكذلك الحال في محيط الأسرة، فإننا نتذكر آبائنا وأقراننا الأكبر منا كيف قدموا لنا الحب والاهتمام، أو القسوة والإهمال في طفولتنا ولكننا لا نتذكر أبدا لماذا فعلوا ذلك، مع العلم أنه لا يوجد أي انفعال سواء سلبيا أو إيجابيا إلا وله أسباب ودوافع حقيقية مباشرة أو غير مباشرة.
فلن يصرخ عليك أحدهم بدون سبب، ولن يقسو عليك أحدهم تعسفا، ولن يثني عليك أحدهم بدون قصد، ولن يشجعك أحدهم بدون هدف. إن المشاعر والعواطف هي ما يبقى في الذاكرة وليست المعلومات والحقائق المطروحة في تلك اللحظة .
سيدنا إبراهيم عليه السلام في قصته المعروفة في القرآن مع أبيه آزر، بعد أن أعطاه ما عنده من علم وعاتبه على تصرفاته وسلوكه الغير سوي في عبادة الأصنام أردف له قائلا:  " يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا "[مريم 45]
خوفه على أبيه هي "مشاعر"ستبقى دليلا على الاهتمام والود، وإذا كانت هناك رجعة، أو استجابة، أو إصلاح، أو إعادة النظر في الأمر فهذه من أقوى الأمور التي قد تصنع التغيير في نفوسنا  وكذلك فِي نفوس من حولنا .
أطلقوا مشاعركم الإيجابية قبل كلماتكم الجميلة لمن حولكم لتكون أبلغ وأبقى في قلوب من تحبون، وأوقفوا جموح مشاعركم السلبية قبل كلماتكم القاسية ، حتى لا تفسدوا الود بينكم، فإن الشيطان يتبع هذه المشاعر ويفسد على الناس حياتهم ويبعد قلوبكم ويفرق بينكم.
اجلس مع نفسك يوميا، واغسل وعاء قلبك وطهر مشاعرك من كل ما يكدر صفوها ويعكر شفافيتها، فالحياة أيامها تمضي سريعا فلا تفرح بأنك اليوم ذَا قوة أو منصب أو جاه أو مال فكل ذلك قابل للبقاء والفناء، ولا يبقى إلا الذكر الطيب بينك وبين الناس.
الحياة قصيرة فاعمروها بكل جميل، فلا أجمل من كلمة طيبة تمسح بها على قلب امتلأ غصة أو حرم من عطف وحنان أو فقد عزيز أوحبيب ، فكل ذلك رصيد تملأ به بنك عواطفك ومشاعرك ستحتاج له في يوم ما، فاجتهد فيه الآن حتى لا تفتحه في المستقبل فتجده صفرا خاليا فتتحسر على ما فات، فما فات لا يعود .  وتذكَّرْ أن "صنائع المعروف تقي مصارع السوء "
فتش في صنائع أفعالك في علاقتك بربك، وصنائع أفعالك الطيبة في والديك، وإخوانك، وأهلك وعيالك، وجيرانك، وزملائك ومن حولك حتى في مخلوقات ربك.. كلها تقيك مصارع السوء في يوم تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه، وما ربك بغافل عما تفعل فهو سبحانه سميع بصير عليم خبير .

 

تعليق عبر الفيس بوك