حماية الحقوق الشخصية في القانون العماني

 

د. طه زهران                             

محامي بالمحكمة العليا، مكتب سعيد المعشني للمحاماة

 

جاء نص المادة (46) من قانون المعاملات المدنية مؤكداً على أن: " لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء، وله التعويض عمَّا يكون قد لحقه من ضرر".

ومفاد ذلك النص أنه يحق لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع فى حق من تلك الحقوق اللصيقة بشخصه أن يطلب وقف هذا الاعتداء لكونه باطلاً بطلاناً مطلقاً.

ويمكن التمسك بذلك البطلان وبحق المطالبة بوقف الاعتداء فى أي مرحلة تكون عليها الدعوى. كما وأنه لا يجوز التنازل عنه لتعلقه بالنظام العام للدولة.

والاعتداء غير المشروع على الحقوق الملازمة للشخص يكون متمثلاً في انتحال صفته أو استخدام اسمه أو لقبه. وقد ورد ذكر ذلك صراحة في المادة (47) التالية لتلك المادة. كما يكون هذا الاعتداء على حق هذا الشخص في الحياة والحرية والحصول على الهواء والماء والغذاء وكل ما يلزم الحفاظ على حياته. ويشمل أيضاً كل اعتداء على شرف الإنسان وسمعته وكرامته وجسده وحياته الخاصة.

والأصل الشرعي لحرمة الحياة الخاصة ينبع من قوله تعالي: "يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ".

وقد حرص الإسلام على الحفاظ على حرمة المسلم، والحفاظ على حياته الخاصة، وحرم أي اعتداء على حياة الإنسان أو كل عمل ينقص من حق الإنسان في حرمة حياته الخاصة، واعتبر أي فزع أو خوف جريمة يُعاقب عليها مقترف ذلك الفعل.

وهذا ما نلاحظه في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).

وقوله أيضاً: (ظهر المسلم حمي إلا بحقه) وقوله : (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً).

ويُعد الحق في حرمة الحياة الخاصة عصب الحرية الشخصية، وركيزة أساسية لحقوق الإنسان والحريات العامة. وتبعاً لذلك يقتضي هذا الحق الاحترام من قبل السلطة والأفراد، كما يقتضي في الوقت ذاته أن تكفل له السلطات الحماية الدستورية والقانونية ضد الانتهاك غير المشروع.

إلا أن الحق في حرمة الحياة الخاصة ليس حقاً مُطلقاً، بل تُقيده اعتبارات المصلحة العامة، متى كانت مصلحة المجتمع أولى بالرعاية من حق الفرد في الخصوصية.

ويترتب على ذلك أن المصلحة العامة هي التي ترسم حدود هذا الحق وتُحدد نطاقه وفقاً لمبدأ المشروعية، وذلك عن طريق الموازنة بين مصلحة الفرد في الحق في الخصوصية، وبين حاجة المجتمع للأمن والنظام.

وقد أكد النظام الأساسي للسلطنة على تلك المبادئ فنصت المادة (18) منه على أن : "الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون. ولا يجوز القبض على إنسان أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون". وطبقاً للمادة (26) : لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أي إنسان بدون رضائه الحر. وأكدت المادة (22) على أن : "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع وفقاً للقانون ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنوياً".

كما نصت المادة (90) من قانون الإجراءات الجزائية العماني على أنه: "لا يجوز ضبط المراسلات والبرقيات أو الاطلاع عليها أو ضبط الجرائد والمطبوعات والطرود أو تسجيل الأحاديث التي تجري في مكان خاص أو مراقبة الهاتف أو تسجيل المكالمات بغير إذن من الادعاء العام".

كما نص قانون الجزاء العماني(262 م) على أنه: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاثة أشهر، ولا تزيد على (2) سنتين كل من دخل مكاناً مسكوناً أو معداً للسكنى أو أحد ملحقاته، بغير رضا من له الحق في منعه من الدخول، وفي غير الأحوال التي يجيزها القانون.

وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات إذا وقع الفعل ليلاً أو بواسطة كسر أو تسور أو تسلَّق أو كان الجاني حاملاً سلاحاً أو ارتكب من شخصين فأكثر، أو شخص انتحل صفة عامة أو ادعى قيامه بوظيفة عامة ".

هذا وقد كفل القانون المدني للمعتدى عليه الحق في التعويض العادل عما يكون قد لحقه من أضرار. وعلى هذا فإنِّه يشترط توافر عدة شروط لقيام المسؤولية المدنية في مجال الاعتداء على الحياة الخاصة بوصفها حقاً من الحقوق الشخصية، وهي وقوع الاعتداء (الخطأ) والضرر وعلاقة السببية بينهما.

وفي حالة الاعتداء على الخصوصية بالنشر في الصحف والمطبوعات، نرى حرص القضاء على إيضاح الظروف التي تبرر الأمر بوقف النشر، فبالرغم من أن وقف النشر يؤدي إلى الإضرار بالمدعى عليه، حيث يمنع صدور أعداد ضخمة من المطبوعات، إلا أن قاضي الاستعجال يجوز له اتخاذ مثل هذا الإجراء طالما أنه قد تراءى له أن ذلك الإجراء هو وحده الكفيل بتفادي الضرر الذي قد ينتج عن الكشف عن خصوصيات الحياة، وأن التعويض اللاحق على النشر لن يكون إلا بمثابة تعويض بمقابل لا يقدر على إزالة الضرر.

ويشترط للحكم بالتعويض كقاعدة عامة – كما ذكرنا - توافر الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما.

والضرر الذي يرتبه الانتهاك أو الاعتداء على الحياة الخاصة قد يكون ضرراً مادياً أو معنوياً أو الاثنين معاً.

tahazhran@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك