المعتصم البوسعيدي
من دهاليز الخوف، من شقاء التنمر والتقهقر في المدرسة، من تفكك أسري وتلاحم أم وأخوات، من نصيحة البحث عن الذات في الرياضة، من ماءٍ تغلغل فيه حتى صار بيته، من كل ذلك سطعَ نجمه ولاحَ بارقه وذاعَ صيته، حتى أصبح الأفضل على مرِ التاريخ والعصور، أنه السباح الأمريكي مايكل فيليبس. إن الحديث عبرَ محطات النجوم التي عاهدتُ نفسي المرور بها بين الفينة والأخرى يقودني دائماً إلى التعمق في شخوص هؤلاء الذين نسجوا حروفهم من الذهبِ على صفحاتِ الرياضة بمختلِف ألعابها، على أن نجم محطتنا اليوم يَصعبُ اقتفاءَ أثرهِ؛ لمسيرته المرصعة بالإنجازات، فمايكل فيليبس المولود في ثمانينات القرن المنصرم تغلب على ألمِ البداياتِ الصعبة مع افتراق والديه وسخرية الطفولة التي تسببت له بمشاكل نفسية قادته ــ بطريقة أو بأخرى ــ إلى نجوميةٍ لا يُشقَ لها غبار؛ حيثُ نصحه الطبيب بالتغلب على هذه المشاكل بممارسة الرياضة، فكان المسبح الذي أخرج "حوت" الألقاب. حتى اليوم يُعد فيليبس أفضل رياضي في التاريخ خاصةً على المستوى الأولمبي ب28 ميدالية أولمبية منها 23 ذهبية وهو رقم يوازي ــ تقريباً ــ تاريخ مشاركات كل الدول العربية قاطبة في كل البطولات الأولمبية، كما أنه صاحب الرقم القياسي ــ أيضاً ــ لعدد الميداليات في بطولة واحدة ب8 ميداليات أحرزها في أولمبياد بكين عام 2008م وقبل ذلك كان "أصغر سباح ذكر في سن 15 عام و9 أشهر يحقق رقم قياسي عالمي كان ذلك في العام 2001م، ولو استمرينا بالإحصاء لوجدنا سجلٌ طويل من الأرقام القياسية والألقاب والإنجازات، كما هو سجل إصراره وتغلبه على الخيبات والانكسارات؛ فحين قرر فيليبس التقاعد بعد أولمبياد لندن 2012م تراجع عن قراره وعاد لممارسة اللعبة التي يحب مع تحقيق 5 ميداليات ذهبية وفضية واحدة في أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2014م ومعها أصبح "السباح الأكبر سنًا الذي يحصل على ميدالية ذهبية في تاريخ السباحة الأولمبية" خاتماً مشوراه الرياضي بعد هذه البطولة دون أن ينتهي توقع النهاية التي قد تقوده ــ ربما ــ إلى أولمبياد طوكيو القادمة عام 2020م. لم تكن حياة فيليبس مثالية بالكامل حتى في خضم شهرته ونجوميته وبلوغه لثروةٍ هائلةٍ تفوق الأربعين مليون دولار؛ فالتاريخ يقودنا بُعيد أسابيع من أولمبياد أثنيا 2004م حين ضُبطَ وهو يقود سيارته تحت تأثير الكحول، فكان العقاب الذي لم يحول بينه وبين تنفيذه ذهب ألقابه وميدالياته دون أن يعترض على ذلك، بل أعترف بأنه خيب ظنَّ نفسه وعائلته، والأجمل رضوخه للعقابِ وأي عقاب.. "خضوعه لفترة 8 أشهر تحت المراقبة، وغرامة قدرها 250 ألف دولار، وأن يقوم بتقديم خطاب ضد شرب الكحول والقيادة لطلاب المدرسة الثانوية، وأن يلتزم بحضور اجتماع الأمهات ضد القيادة في حالة الثمل" ولم تكن هنا النهاية كما يحدث عندنا فالرياضي بشرٌ يُصيب ويخطئ. إن حياة فيليبس مزيجٌ من القوةِ والضعف؛ قوةٌ استمدها من طاقتِه الذاتيةِ وحرصهِ على تخطي الصِعاب بالتدريباتِ الشاقةِ والتضحياتِ والتعلم المستمر وهو القائل " كلما حلمت أكثر، كلما اقتربت من غايتك"، وطاقةٌ استمدها من مساندةِ عائلتِه وتأثيرِ مُدربهِ بوب بومان على حياتهِ المهنيةِ والاجتماعية. أما الضعف "وبالرغم من جسده الرياضي ففيليبس ــ لمن لا يعلم ــ يُعاني من مرض متلازمة مارفان التي لها تأثيرات على المفاصل والقلب والأوعية الدموية"، كما أنه استسلمَ في فتراتٍ ما لمشاكلهِ النفسيةِ حتى وصل به الأمر للرغبةِ في الانتحار!! يبقى القول إن الأسطورة مايكل فيليبس يمتلك مؤسسة خيرية لدعم الفقراء بالولايات المتحدة الأمريكية، وله كتابين: (تحت السطح، والإدارة لتحقيق النجاح)، كما أنه مشارك في تأسيس منظمة غير ربحية تُقيم معسكرات للسباحين في مختلف الأعمار، وهو يلقي محاضرات يطرح فيه تجربته النفسية، ويمكن اختزال إنسانيته الكبيرة في مقولةٍ نختم به محطتنا معه "إنقاذ حياة البعض أفضل بكثير من الفوزِ بميدالية ذهبية".