ومضات فكرية من كتابات حاتم الطائي (55)

 

(أ‌)    مسؤوليتنا تجاه الاكتشافات الأثرية:
(1)     إنَّ مسؤولية تقديم تراثنا العُماني التليد للأجيال القادمة لا تقل أهمية عن واجب الحفاظ عليه وصونه، بل هي عملية تتكامل فيها الأدوار، وتتكاتف فيها الجهود من أجل هدف واحد وهو مواصلة مسيرة الأجداد العظام.

(2)     إننا أمام مسؤولية تاريخية ينبغي علينا تحملها، والنظر في كيفية الاستفادة من النتائج الأثرية التي تم التوصل إليها، وتوظيفها في دعم جهود الترويج السياحي.

(3)     إننا لا نريد فقط أن نجذب السائح كي يستمتع بالطبيعة الساحرة أو المنتجعات الفاخرة، بل أيضا نريد له أن يحصل على ما يسعى إليه من معارف ثقافية وحضارية عن البلد الذي يزوره، ويُدرك بعمق أبعاد الحضارة القديمة في بلدٍ ينعم بمقوِّمات المدنية الحديثة في أزهى صورها، بفضل ما أنجزته مسيرة النهضة المباركة من مشاريع متقدمة وتطوُّر نالت جميع القطاعات نصيبها منه.

(4)     يجب تشجيع الإبداع العُماني من خلال إعادة إنتاج الآثار التي يتم اكتشافها، وعرضها للبيع، حتى لا ندع المجال للصناعات المقلدة في الخارج أن تجد لها مَوْطِئ قدم؛ فنحن أولى بإعادة صناعة أمجادنا، وتقديم نسخٍ متميزة من هذه الأشكال والأواني الأثرية؛ وبذلك نكون قد أنعشنا الصناعات الحرفية المعدنية، وأوجدنا فرصَ عمل للحرفيين، وأيضا عوائد مجدية لهم.

(5)     نقترح أن يتم توظيف التقنيات الحديثة في عرض هذه الآثار في المتاحف؛ من خلال التقنيات ثلاثية الأبعاد أو تقنية الهولوجرام التي يُمكِن من خلالها استعادة الإنسان العُماني القديم في كامل هيئته، وتقديمه بإنتاج بصري باهِر ومُذهِل؛ فتتحول المتاحف من كونها مجرد مواقع لحفظ التراث وعرضه بصورة تقليدية، إلى أماكن جذب سياحية وترفيهية.

(6)     ينبغي أن نفتح المجال للرُّواة وأصحاب الخيال القصصي؛ كي يعكفوا على إنتاج أعمال درامية تنسج خيوطها من وحي التفسيرات التي يُقدِّمها علماء الآثار عن هذه الاكتشفات، ونقطع الطريق على أيِّ مُدَّعٍ يريد أن ينسب لنفسه عراقة حَضارتنا؛ فما الذي يمنع من إطلاق مشروع وطني لإنتاج هذه الأعمال الدرامية - سواء سنيمائيًّا، أو بتقنية التحريك "الآنيميشن"- في شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، ولدينا مواهب عُمانية مبدعة تقدم أعمالا بجودة تنافس الجودة العالمية.

(7)     أن يتم تضمين الاكتشافات الأثرية في المناهج الدراسية؛ من خلال عملية تحديث مستمرة لدروس التاريخ والدراسات الاجتماعية، حتى إنني أظن أنه بات من اللازم تدريس التاريخ لجميع طلابنا دون استثناء، حتى ولو كانوا طلاب التخصص العلمي. فغرس الثقافة التاريخية في نفوس أبنائنا يحقِّق الكثير من المنافع لهم؛ سواء على مستوى الولاء للوطن والافتخار به، أو على مستوى التثقيف العام حتى يشبوا وهم يدركون جيدا أن أجدادهم صنعوا حضارة عظيمة، وأن عليهم مسؤولية مواصلة هذا المشوار وصناعة مستقبل مشرق وأكثر ازدهارا.


(ب‌)    تساؤلات حول الاكتشافات الأثرية في "سلوت" وغيرها:
(1)     أظهرت الاكتشافات الأثرية الجديدة في حصن سلوت التاريخي بولاية بهلاء، تفاصيل جديدة نفضت الغبار عن مرحلة مهمة في تاريخ عُمان، وكشفت ما كانت تتمتع به حضارتنا من علاقات وطيدة وتواصل مع الحضارات القائمة وقتذاك؛ فقد كانت الصادرات العُمانية من النحاس أحد العوامل الرئيسية في تأسيس علاقات تجارية مع حضارات بلاد الرافدين وحضارة وادي الأندوس، وحضارة بلاد فارس؛ لذلك كانت عُمان تسمى بـ"مَجان" - أو "ماجان" - أي جبل النحاس وفقا لبعض الكتابات المسمارية والأكادية التي وردت في نصوص سومرية، بحسب العديد من المراجع المتخصِّصة في هذا الشأن.

(2)     يبقى التساؤل الأكثر إلحاحا بعد كلِّ هذه الاكتشافات العظيمة: كيف يُمكن لنا أن نستفيد من هذه المقومات التراثية والأثرية في الترويج السياحي؟ وما هي الخطوات التي ينبغي علينا أن نتَّخذها من أجل تعريف الأجيال الجديدة -بل والحالية- بهذه الأسرار التاريخية التي تمَّ الكشف عنها فقط قبل أيام من الآن؟ والسؤال الآخر، هل يدرك القائمون على أمر التعليم أهمية إدراج مثل هذه الاكتشافات الجديدة وتفسيراتها في المناهج؟


(ت‌)    عُمان عمق حضاري وتاريخ إنساني:
(1)     حضارتُنا العُمانية كانت واحدةً من أعظم وأعرق حضارات العالم القديم، وخاصة في الفترة الزمنية التي سبقت التأريخ الميلادي بنحو عشرين قرنا من الزمان، أو ببساطة 2000 سنة قبل الميلاد؛ أي في مراحل مبكرة جدًّا من عُمر الحضارات التي نعلمها.

(2)     كانت الحضارة العُمانية القديمة واحدة من أعرق الحضارات التي تطورت في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وعكستْ المستوى المتقدِّم من التفكير في استخدام الموارد الطبيعية لتسهيل الحياة وتعزيز قدرة الإنسان -آنذاك- على التعايش مع الطبيعة.

(3)     أجدادنا الذين حفروا الصخر قبل توافر التقنيات الحديثة، أجدادنا الذين أسسوا حضارة مجان بعبقرية نافست حضارات العالم القديم، أجدادنا الذين مخروا عباب البحار ولم يهابوا موج المحيطات العالي فصاروا أسياد البحر.

 

تعليق عبر الفيس بوك