علي بن سالم كفيتان بيت سعيد
ربما نحن بحاجة لمُراجعة بعض التوجهات مع تغير المراحل ومنها على سبيل المثال التخفيف من جرعات الثناء والترويج لنجاح السياسات فعبر هذا الطرح الصريح لسنا على الضفة الأخرى، لكننا نرى بعين ثالثة لديها قدر كبير من الحرص على سلامة الفكر والرُقي في مخاطبة العقول بحيث نقترب من الحقيقة ونلامسها بهدوء مبتعدين عن فركها بعنف لكيلا تختفي.
لطالما استوقفتنا المصداقية في الخبر الذي تنقله أوعيتنا الإعلامية ولكنه غالباً ما يكون قد افتقد الصفة الحصرية فيكون كالوجبة التي وضعت في الفرن متى ما أردت أكلها تقوم فقط بتسخينها وبلاشك سيختلف طعهما عما طبخ طازجاً هنا تكمن جدلية تنخيل المحتوى والتأكد من مصداقيته لكي يصبح قابلاً للاستهلاك العقلي ولكن حتى يتم ذلك تصبح المائدة باردة وبالكاد يقترب منها أحد.
إنَّ المبالغة في وصف المنجز لا تُغير في الواقع شيئاً بل يعطي رسالة للعقل للباطن مفادها أننا بدأنا نجتر الماضي والحديث عن الحاضر والمستقبل لا يشكل سوى النسبة الأقل في جميع أدواتنا وأوعيتنا ومع ذلك لا أحد يُنكر ما تم وضعه على خارطة الوطن فالملف الأمني مثلاً هو الأكثر نجاحًا وحصد النقاط الكاملة لكن هل واكبه الملف الاقتصادي؟ وهل الملف السياسي توافق مع الاثنين؟ وهل تراجع الملف الديني ليتماشى مع الجميع؟ هذه تساؤلات مشروعة لا بد من طرحها لأنها تتفاعل بقوة ولا تجد الإجابات الشافية وهنا مكمن الخطر حسب وجهة نظرنا.
إنَّ الانفتاح على قضايا إقليمية والتعاطي معها بجرأة كما حصل مع القضية الفلسطينية مؤخرًا سيكون له تبعات يدركها الذين يشرفون على الملف الأكثر نجاحاً في السلطنة فالدخول في نظرية إذابة إسرائيل داخل الكيان العربي والشعور بإمكانية حدوث ذلك يفتح الباب على مصراعيه لمن هم على النقيض ولا نستبعد وصولهم إلى الداخل وتبنيهم أجندات قد تكون مبررة لكثير ممن لا يُدركون التوجهات السياسية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وهنا لابد من استحضار التوجه الإسلامي الذي ظل محافظاً على احترامه للتوجهات السياسية المنضبطة طوال العقود الماضية وهل لديه القدرة على مواكبة التطورات أم أنه سيعبر عن عدم رضاه ومن هنا تتراكم توجهات جديدة لم تكن موجودة في الأصل.
سيظل المشهد الاقتصادي هو من يقود القافلة ويمنح الحكم النهائي فالناس لم تعد تعير الكثير من الاهتمام للشق السياسي بعدما دخل في توجه جديد يراه العُمانيون أنه لن يقدم جديداً بعد أن ضحى بكل الأوراق التي كان يملكها وهناك قلة ممن لا زالوا يعولون على الفوائد الاقتصادية المُتوقعة لنهج التوجه السياسي الجديد فإذا لم يستثمر في أوج نموه كيف يمكن النظر إليه اليوم ومن أي زاوية؟ وهل استثمرنا الاستقرار السياسي لمساندة الملف الاقتصادي المتذبذب؟ هناك اليوم اجتراح للماضي والقفز بقوة نحو المستقبل وما بينهما الكل لا زال ينتظر النتيجة رغم أن البوادر تعطي مؤشرات حسنة لجدولة القضية الأكثر إزعاجا وهي الباحثين عن عمل فهل ينجح المركز الوطني للتشغيل في بلورتها على ضوء ما تمَّ ذكره؟ ثقتنا لا زالت كبيرة بتحقيق ذلك.
تظل الملفات الرئيسية في أي بلد مُتنافسة وفي حالتنا كانت متوافقة ولكن لا ضير من السعي لبلوغ الأفضل من خلال الانفتاح على جميع الخيارات المتاحة والأهم هو أن يحس الإنسان بفرق ذلك التنافس من خلال ارتفاع نسبة الرفاه الاجتماعي ورقي الخدمات المُقدمة ففي النهاية المواطن العادي لا تهمه كثيراً السمعة الطيبة، والمكانة الرفيعة، والإشادة الدولية إذا لم ينل منها شيئا ملموساً في حياته اليومية.
وقبل الختام لابد من التعريج على ذكر دور مجلس الشورى ضمن منظومة تلك الملفات التي تستأثر بها السلطة التنفيذية فقد تولدت لدينا قناعة راسخة خلال الأعوام الأربعة الماضية بأن الدورة الحالية للمجلس ضمت نخبة من الكفاءات الوطنية عالية المستوى لكنها أتت في أسوأ الظروف ولذلك صب عليها الناس جام غضبهم وطولب المجلس بما لا يستطيع كونه وضع في معادلة صعبة جدًا أطرافها الوضع الاقتصادي المتراجع وقلة الوعي لدى المواطنين بالمساحات المتاح التحرك فيها.